يُعد العنف ضد الأطفال أكبر التحديات التي تواجه تنمية الطفولة المبكرة، التي هي السبيل إلى التنمية الشاملة المستدامة في العالم الإسلامي، وفقاً لما ذكرته منظمة الإسلامية للتربية والثقافة «الايسيسكو». من هذا المنطلق نفتح - أول مرة - الملف الشائك حول «العنف ضد المواليد حديثي الولادة» في المملكة، لنناقش صوره، ونطرح مقترحات المختصين لتجاوزه، وذلك في ظل انعدام الإحصائيات المتعلقة به، معتبرين أن تصحيح أوضاع هذه الفئة من الأطفال هو حجر الزاوية في تنمية المجتمع. ظاهرة اجتماعية أكدت دراسة حديثة أن المسألة باتت «ظاهرة اجتماعية»، وهي أول وأكبر دراسة علمية على مستوى المملكة أعدها برنامج الأمان الأسري الوطني عن العنف الأسري وإيذاء الأطفال، كما كشفت أن الاعتداء على الأطفال وإهمالهم موجود في المملكة بنسبة (78.5%)، وأن الأرقام الواقعية لحالات الاعتداء على الأطفال وإهمالهم تفوق الأرقام في التقارير الرسمية، علماً أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان صرحت أن قضايا العنف الأسري والعنف ضد الأطفال الواردة للجمعية بلغت 1923 قضية منذ تأسيس الجمعية عام 2004م إلى 2010م، فماذا عن العنف ضد المواليد حديثي الولادة؟. خصوصية الفئة قال لنا رئيس اللجنة العلمية في الجمعية الخليجية للإعاقة «د. عبدالله الصبي»: إنه لا توجد إحصائية في المملكة عن العنف ضد فئة المواليد، وأكدت ذلك أستاذ علم الاجتماع الجنائي المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن «د. غادة بنت عبدالرحمن الطريف» مبررة ذلك لخصوصية المجتمع وصعوبة معرفة ذلك، منوهة إلى أن العمر يلعب دوراً في حدوث العنف ضد الأطفال، حيث إن أعلى معدل وقوع للعنف ضد الأطفال قبل الثالثة ويتناقص بتقدم العمر، منطلقة من تعريفها لمفهوم الطفل حديث الولادة أنه الرضيع البالغ من العمر ساعات أو أيام أو حتى أسابيع قليلة من الولادة، وطبياً يعتبر المولود طفلا رضيعا في خلال 28 يوماً الأولى من عمره، موضحة أن مصطلح المولود يشمل (الأطفال الخدج، والأطفال المتأخر أوانها، والأطفال كاملي المدة)، فالتعريفات تختلف بين الولادة و3 سنوات من العمر. خطف المواليد شهد مجتمعنا عدة حوادث اختطاف لمواليد حديثي الولادة، شكلت مجال عنف خطيرا ضدهم، رغم أن الدولة صنّفت جنائياً قضايا الاختطاف بشكل عام، على أنها من القضايا ذات الأهمية من الدرجة الأولى، وفقاً لتصريح الناطق الإعلامي المكلف في شرطة محافظة جدة الملازم «نواف البوق». ولازال المجتمع يتداول قصصاً مؤلمة « وإن كانت قليلة، لخطف مواليد من المستشفيات، بعد ساعات من ولادتهم، من قبل خادمات أو مقيمات، بغرض تبنيهم أو استغلال أبويهم والانتقام منهم أو المتاجرة بهم أو بيع أعضائهم، منها حادثة خطف رضيعة في شهرها الثامن من قبل خادمة آسيوية في جدة، واختطاف المولود أنس في يومه الأول من جوار والدته بمستشفى الولادة بالمدينة. توعية المجتمع وعملت الجهات المعنية على توعية المجتمع وتوجيهه لعدم الاعتماد على العمالة في متابعة العناية بأطفالهم، علماً أنه يوجد في المملكة أكثر من مليون ونصف المليون خادمة تعمل في المنازل، وفقاً لما ذكره الباحث الاجتماعي المتخصص في شؤون الأسرة «عائض القرني»، وتبقى الحاجة إلى إلزام العمالة المستقدمة بالكشف النفسي ضمن الكشوفات التي تجرى عليهم. وللحد من سرقات المواليد في المستشفيات أُعلن عن بادرة أمنية جديدة حيث تم استحداث وضع «أسورة الكترونية» حول معصم الطفل فور ولادته، وتطبق بمستشفى الولادة والأطفال في المدينة أولاً، وفق تصريح مدير عام الشؤون الصحية بالمدينة «د. عبدالله الطائفي». جرائم صارخة وفي صورة دموية للعنف ضد المواليد سجلت لدينا بعض الحوادث، كحادثة الرضيع حديث الولادة الذي وجد في مدينة حائل مرمياً في حاوية للنفايات، أو حادثة الخادمة التي اعترفت بقتل رضيع في شهره الرابع بوضع سم الفئران في رضاعته، أو قد يعلن عن وجود مواليد أحياء في الحاويات أو أمام المساجد، كحادثة الرضيع المولود ذي الملامح الأفريقية الذي وجد في حاوية نظافة - منذ أيام - في المدينة. يحدث هذا العنف وسط خليط اجتماعي متنوع تضمه المملكة يشمل المواطنين والمقيمين والعمالة والمعتمرين والحجاج، وقد يكون نتاج مرض نفسي أو عصبي يصيب الأمهات، أو نتاج ضعف الوازع الديني والقيم الأخلاقية لديهن، أو قد يكون للمخدرات أو الفقر دور فيه، ما ينتج عن ذلك لقطاء مجهولو النسب. وقد ذكر مدير مركز الأمير سلطان للتربية الاجتماعية بالدمام «سالم الغامدي» أن المركز يستقبل 8 حالات من مجهولي النسب سنويا، فيما ذكر «د. أحمد الحسيني» في بحث له عن اللقطاء أنه طبقًا لإحصائيات رسمية هناك 8500 طفل من مجهولي النسب يعيشون في دور الرعاية الاجتماعية في المملكة. كدمة قوية تعرض لها طفل من دون رحمة ضعف في الخدمات وينبىء الواقع أن هناك بعض القصور في الخدمات الصحية المقدمة إلى الأطفال حديثي الولادة وأمهاتهم، ما يخلق وجهاً آخر للعنف، فمنذ أيام أغلقت المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض أربعة أقسام بمستشفى خاص بالرياض وهي: «قسم النساء والولادة، وعمليات التوليد، وقسم العمليات وقسم العناية المركزة، وقسم الأطفال؛ بسبب نقص التجهيزات الطبية ونقص الكوادر في هذه الأقسام، كما اشتكى أهالي محافظة الخرج من عدم استيعاب قسم النساء والولادة بمستشفى الملك خالد وهو الوحيد لديهم. حوادث الاختطاف ل «حديثي الولادة» شكّلت مجال «عنف خطير» ضد الطفولة! الجواز الصحي وفي بادرة جديدة أعلن وزير الصحة «د. عبدالله الربيعة» منذ أيام بدء تطبيق مشروع الجواز الصحي للأم والطفل بالمستشفيات الحكومية بالرياض للتقليل من وفيات الأمهات والأطفال الرضع وحديثي الولادة وحماية الأم أثناء فترة الحمل والولادة، علماً أنه سبق وأعلنت جمعية الهلال الأحمر السعودية عن عزمها إنشاء خدمة - القابلة في الطريق - لتوليد النساء داخل منازلهن ولم ينفذ، مع أن هذا المشروع يأتي متوافقاً مع ما ذكرته الأممالمتحدة منذ أيام، أن زيادة الاستثمار في عمل القابلات قد ينقذ ملايين الأطفال ومئات الآلاف من النساء الذين يموتون كل عام بسبب نقص الرعاية الصحية المدربة أثناء الحمل والولادة، كما شكلت الأخطاء الطبية ميداناً آخر للعنف، فمنذ أيام تم تغريم منشأة صحية 100 ألف ريال لتسببها في وفاة طفل بالمدينة؛ بسبب ما حدث لإحدى الأمهات من أخطاء طبية أثناء ولادتها أدت لوفاة المولود. تشوهات خلقية وفي تصريح لعضو هيئة التدريس في قسم التربية ورياض الأطفال في جامعة الملك سعود «د. شريفة القاسم»، ذكرت أن 19% ممن تعرضوا لأخطاء طبية في مستشفيات المملكة هم من الأطفال نتج عن أغلبيتها تشوهات خلقية عند الولادة وإعاقة جسدية وعقلية». المصلحة تتطلب «الكشف النفسي» على العمالة حتى لا يقع الأبناء ضحايا وأضافت أن الإحصائيات تشير إلى أن عدد الأخطاء الطبية في السنوات الست الماضية بلغ نحو 26 ألفا معظم ضحاياها من النساء أثناء الولادة بنسبة 27%، ثم الجراحة للكبار والأطفال بنسبة 21%، ويأتي في الترتيب الثالث الأطفال بنسبة 19%، مطالبة وزارة الصحة بسن قوانين رادعة وتكثيف الرقابة على أقسام الولادة والأطفال في المستشفيات وإعادة شروط القبول في كليات الطب. معاملة خاصة »قذلة» امرأة سعودية قتلت زوجها في أبها، ورفضت دخول السجن من دون أن يرافقها ابنها «نايف» ذي الخمسة أشهر، فسُمح لها بأن يبقى معها، وترعرع الرضيع بين السجينات حتى خرج منذ مدة وعمره أربع سنوات وشهران، فهل يمكن اعتبار هذا الإجراء عنفا ضد المواليد؟، عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والمستشار الشرعي «حمد بن عبدالله بن خنين» أوضح أن المادة 13 من نظام السجن والتوقيف تضمن أن تعامل المسجونة أو الموقوفة الحامل ابتداءً من ظهور أعراض الحمل عليها معاملة خاصة من حيث الغذاء والتشغيل، حتى تمضي مدة أربعين يوماً على الوضع، كما جاءت المادة 14 بنقل الحامل المسجونة أو الموقوفة إلى المستشفى عند اقتراب الوضع وتبقى فيه حتى تضع حملها ويصرح لها الطبيب بالخروج منه، وأكدت المادة 15 على أن يبقى مع المسجونة أو الموقوفة طفلها حتى يبلغ من العمر سنتين، فإذا لم ترغب في بقائه معها أو بلغ السن سلم لأبيه أو لمن له حق حضانته شرعاً بعد الأم، فإن لم يكن للطفل أب أو أقارب يكفلونه أودع إحدى مؤسسات رعاية الأطفال، على أن تخطر الأم بمكان إيداعه وقواعد رؤيته، مبيناً أن النظام كفل حق المواليد لكن تبقى مسألة التنفيذ، مقترحاً مساعدة القطاع الخاص بافتتاح مراكز إيواء ورعاية وتأهيل تربوية ملاصقة للسجون، ويمكن تعيين الأم موظفة فيه إن رغبت. قوانين الدواء حتى في مجال تغذية حديثي الولادة هناك ما يمكن تسميته عنفاً، حيث يحرمون من حقهم في الرضاعة الطبيعية، ما جعل سوق الرضاعة الصناعية يزدهر وسط قوانين تجارية غير صارمة، ففي تصريح صحفي سابق للمشرف على كرسي أبحاث حديثي الولادة بجامعة الملك سعود «د. خالد الفالح» أورد مفارقة تتضمن أن عدد سكان المملكة 28 مليون نسمة ما بين مواطن ومقيم أي ما يعادل عشر سكان أميركا تقريباً، وفي المقابل لدينا أكثر من 30 نوعاً من الحليب الاصطناعي، أما أميركا فلديها 4 شركات فقط، مضيفاً أن كثيرا من أنواع الحليب الاصطناعي المباعة في أسواقنا يُكتب عليها - صنع في فرنسا - أو غيرها، لكن هذه العبارة تكون متبوعة عادة بعبارة أخرى هي «لا يباع إلاّ في السعودية»!، داعياً إلى أن تقنين هيئة الغداء والدواء حليب الأطفال حديثي الولادة بقوانين الدواء لديها، وليس بقوانين الغذاء، كما هو معمول به حالياً، لأن قوانين الدواء أشد صرامة. مضحك مبكٍ ويحدثنا «د. الصبي» أنه من المضحك المبكي رؤيتنا صور هذا العنف بمجتمعنا ثم نتجاهلها، نتيجة للموروث الاجتماعي والطب الشعبي، مضيفاً: «حتى عند اكتشاف تلك الحالات لا يمكننا كمختصين محاسبة الوالدين على فعلتهم، كما لا يمكن محاسبة من يقوم بذلك من مدعي الطب الشعبي» ذاكراً أن صور الممارسات الاجتماعية المضرة للمولود «كمتلازمة الطفل المترنح» التي تحدث نتيجة العنف في ملاعبة الطفل من خلال هزه أو قذفه للأعلى، يؤدي لارتجاج المخ والنزيف المصاحب، كذلك «الأخية» وهي «الكي» في منطقة البطن التي يلجأ إليها المداوي الشعبي لعلاج مغص المواليد وبكائهم المستمر، أو قد يتم حرق مواضع من جسد الطفل من قبل الرقاة لتخليصه من الجن، كما حدث منذ عامين للرضيعة «شادن» ذات الأشهر العشرين في مدينة الخبر!. عادات غريبة وأضاف: هناك عادة «الفروك» - فرك أسنان الرضيع ببودرة شعبية - ثبت احتواؤها على الرصاص من آثارها تشنجات قد تؤدي إلى فقر الدم والتخلف العقلي، وكذلك عادة وضع الكحل في عين المولود أو في سرّته، علماً أنه أجريت دراسات لدينا على مستوى الرصاص في دم الحوامل، بينما لم تتم دراسة تأثير ذلك في الأجنة ومستقبل المواليد. وذكر عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان المستشار القانوني «خالد بن عبدالرحمن الفاخري»، عادة وضع لوح خشبي دائم على بطن الرضيعة للمحافظة على شكل جسدها، أو وضعه على رأس الرضيع لاتخاذ شكل معين، وكذلك جرح الطفل بعد ولادته مباشرةً لتجنب استبداله أو سرقته، أو محاولة تغريق الرضيع بهدف تعليمه السباحة، وهناك ممارسات صحية أخرى صنّفها الفاخري بالعنيفة كاستخدام جهاز شفط المولود المتعسر، بما يحدثه من تشوهات للطفل، إضافة إلى التشوهات أو حدوث الوفاة عند قلة العناية المقدمة عند التوليد، علماً أنه مازالت بعض المناطق تقوم ب «ختان البنات» بواسطة بعض القابلات، رغم أن الختان ممنوع في مراكزنا الصحية الحكومية والخاصة. خطة وطنية للتصدي لظاهرة العنف ضد المواليد أوصت «د. غادة الطريف» بوضع تشريعات تعزيزية لحماية حقوق الطفل وآلية تطبيقها، مع وضع خطة وطنية مناهضة لهذا العنف، ويوصي «الفاخري» بتسريع إصدار نظام حماية الطفل وتوفير الأخصائيين المدربين على التعامل مع حالات العنف، مع تشديد العقوبات على من ينتهك حقوق أطفاله، إلى جانب نزع ولاية الأب الذي يثبت قيامه بهذا.