كانت ايرينا تبلينسكي في سن 14 عاما عندما جربت تعاطي الهيروين لأول مرة بمدينة كاليننينغراد في عام 1981. وتنحدر تبلينسكي من أسرة روسية ثرية عريقة وكانت واحدة من القلائل القادرين على شراء المخدر الجديد الذي بدأ يغزو بلادهم في ذلك الوقت. وأدمنت الفتاة المراهقة الهيروين وبدلا من أن تنتقل إلى موسكو لتكملة دراستها الجامعية فقد أخذت حياتها تنحو نحوا مختلفا، وقضت عشرة أعوام في السجن وأصيبت بالتهاب الكبد " ج " والسل وفيروس نقص المناعة المكتسبة . وخلال فترة حبسها الأخير والتي انتهت في عام 2007، تحول فيروس الايدز في جسمها إلى مرض كامل، وتقول إن حياتها كانت ستكون مختلفة إذا تم علاج إدمانها على انه مرض أكثر من كونه جريمة. مدمنة تركت الجامعة ودخلت السجن وأصيبت بالتهاب الكبد والسل والايدز: فقدت منزلي وصحتي وأسرتي وتقول تبلينسكي البالغة من العمر 44 عاما الآن والتي تعمل حاليا لصالح منظمة تدعو إلى تطبيق سياسة مكافحة مخدرات أكثر إنسانية في روسيا : " الحل بالنسبة لي ولآلاف الآخرين غاية في البساطة "، مشيرة بذلك إلى أن كل دول أوروبا تعالج المدمنين . وتعتبر روسيا أكبر مستهلك للهيروين في العالم ويزيد عدد المدمنين فيها عن مليوني شخص. أضف إلى ذلك أن استخدام الحقن في التعاطي تسبب في تفشى سريع للإصابات بفيروس الايدز. وبوفيات تصل إلى عشرات الآلاف سنويا في دولة صار فيها عدد السكان متقلص أصلا ، فإن الوبائيين التوأمين - الهيروين والايدز- يشكلان كارثة بالنسبة لروسيا. ويقول أنصار المعالجة بالعقاقير الطبية إن استخدام هذه العقاقير سوف يحد من انتشار الوبائين في آن واحد معا. فبالإضافة إلى منع انتقال فيروس الايدز فان علاج المدمنين سوف ينقلهم إلى النظام الطبي ويبعدهم عن ارتكاب الجرائم بقصد تمويل عاداتهم الإدمانية وانتزاع التجارة من أيدي التجار. وحتى الصين تستخدم العقاقير في علاج مدمني المخدرات. غير أن روسيا تفضل أساليب علاجية تقوم على الانسحاب الكامل ، حتى ولو كانت هذه الأساليب تتعارض مع إرادة المدمن. بل إن في مناقشة العلاج بالعقاقير قد تكون مجازفة محفوفة بالمخاطر حيث يمكن حبس مؤيديه بتهمة تنظيم حملات دعائية للعقار. وتقول الناشطة آنيا سارانغ التي تؤيد إدخال المعالجة الطبية " لا يوجد سبب منطقي وراء اعتراض روسيا على العلاج التعويضي. لقد ظللت أخوض هذه المعركة منذ 12 عاما ولست افهم هذه العقلية على الإطلاق، خاصة وأن الدليل العلمي يثبت فعاليته." روسيان يعدان هيرويناً للحقن وكانت سارانغ ومعها جماعة من الأكاديميين الغربيين قد نشروا دراسة في المجلة الطبية البريطانية في العام الماضي وتوصلت إلى أن الاستخدام الموسع للعلاج التعويضي يمكن أن يحد من انتقال فيروس الايدز بنسبة 55 بالمئة. ومن المعتقد أن أكثر من مليوني روسي يتعاطون الهيروين, وان هذا المخدر يتسبب بوفاة 30 ألف شخص سنويا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الإصابات الجديدة بالايدز. وتقع روسيا في طريق عبور الهيروين من أفغانستان إلى أوروبا ويتوفر فيها هذا المخدر بسعر متدن. رفض علاج المدمنين تسبب في تزايد أعدادهم.. وفحص إلزامي على طلاب المدارس والجامعات في روسيا غير أن الحكومة تصر على أن الإجراءات العقابية المشددة وحدها هي الكفيلة بالقضاء على استخدام المخدر، وتوقفت برامج استبدال ابر الحقن التي كان يمولها متبرعون غربيون خلال السنوات الأخيرة، ما أدى بالمدمنين إلى تبادل استخدام المحاقن. وبينما تنعقد مناقشات حول إمكانية إعادة برامج استبدال الإبر فان العلاجات الطبية تعتبر من المحرمات. ويعارض كبار الاختصاصيين الروس في مجال المخدرات، من بينهم وزيرة الصحة تاتيانا غوليكوفا، العلاج التعويضي باعتباره فكرة غربية فاشلة. وذهب مسؤولون آخرون إلى ابعد من ذلك. ومن هؤلاء النائب البرلماني الروسي السابق يفغيني رويزمان الذي يدير سلسلة من العيادات التي يتم فيها علاج المتعاطين من الإدمان بلا عقاقير للتخفيف من الأعراض الإنسحابية لديهم. ويصر رويزمان على أن العقاقير لا فائدة منها ويسعى لتطبيق منظومة من السياسات من ضمنها عقوبات صارمة ضد مروجي المخدرات وفحص إلزامي للطلاب في جميع المدارس والجامعات الروسية. ويستطرد رويزمان قائلا،" نحن بحاجة إلى علاج مدمني المخدرات بالقوة، وإلى إرغامهم على العلاج في مؤسسات خاصة لا توجد فيها مخدرات. هذا هو الحل وليس العقاقير." وتم في العام الماضي الحكم بالسجن لثلاث سنوات ونصف على احد أعوان رويزمان بتهمة اختطاف مدمني مخدرات.. وقال المعاون ويدعى ييغور بايخوف إن أبويْ المدمنين أذنا له "بعلاج" أبنائهم. وتقول الناشطة سارانغ إن المرضى" يتم تعذيبهم وتقيدهم على سرر من الحديد وتجويعهم. هذا وضع فظيع للغاية . وعندما تم تقديم بايخوف للمحاكمة، ظننا أن الدنيا ستقوم ولن تقعد." غير أن موجة تأييد عارمة لبياخوف اجتاحت البلاد وندد كبار المسؤولين في الدولة بمحاكمته وانتهى الأمر بإيقاف تنفيذ الحكم ضده وإطلاق سراحه. وسافرت تبلينسكي، التي مازالت تتعاطى الهيروين، إلى موسكو للقاء السيدة نافي بيللي ،المفوض الأممي لحقوق الإنسان، طالبة منها الضغط على الحكومة الروسية لاعتماد العلاج التعويضي، وتقول" اعتقدت انه كان بوسعي أن افعل أشياء كثيرة لبلادي، ولكن بدلا من ذلك فقدت منزلي وصحتي وأسرتي. كان بإمكان العقاقير أن تساعدني على أن أعيش حياة طبيعية" غير أن معارضيها على ثقة بأن آراءهم سوف تسود. وفي هذا الصدد يقول رويزمان" العقاقير لن تكون مشروعة قط في روسيا." السلطات الروسية تعارض استخدام العقاقير في علاج المدمنين