من أشهر الفنانين الذين أثارت لوحاتهم جدلاً كبيراً لقدرته على انتقاد مجتمعه بطريق غير مباشر الفنان الفرنسي (إدجار دوجا)، وخلافاً لما يعتقده الكثير من معجبيه فإنه في الحقيقة لم يرسم راقصات الباليه الصغيرات في لوحاته كثيراً لأنه أُعجب برقتهن، ولكن لأنه أراد التعبير عن انتقاده للمجتمع الباريسي آنذاك الذي استغل فيه رجال الطبقة الراقية مسارح الأوبرا للبحث عن فتيات صغيرات في سن 15 ليشبعن ميولهم المنحرفة. إن لوحة (صف الرقص) شاهد من شواهد دوجا الكثيرة على هذا الأمر، حيث صوّر بالألوان الزيتية أحد صفوف تعليم الباليه بتقنية خاصة لمزج الألوان جعلتها تبدو كالباستيل الطبشوري، كما يظهر في ثياب الفتيات البيضاء خاصة أجزاءها السفلي. وقد توسط الصف أستاذ عجوز يبدي ملاحظاته لإحدى الطالبات في صف يعج بالمتدربات. إن دوجا حين اختار رسم الراقصات إنما أراد أن يركز على ما ارتبط بهذه المهنة في ذلك الوقت من سمعة مشينة لما كان يجري في كواليس أوبرا باريس أثناء التدريب من لقاءات سرية بين الراقصات الفقيرات وبين عدد من الرجال الموسرين مقابل مبالغ مالية، إلى حد أن أمهاتهن في كثير من الأحيان كنّ هنّ من يعقدن الصفقة ويدفعن صغيراتهن إلى الغواية وهو أمر كرهه دوجا ولكنه لم يستطع التعبير عنه صراحة خوفاً من نفوذ أولئك الرجال. لذا صوّر الأمهات في أقصى الخلفية إلى اليمين ليتساءل عن حقيقة حضورهن فهل هي لحماية بناتهن كما يتظاهرن أم لحرصهن على الحصول على أفضل صفقة وتدبير لقاء مقابل أكبر مبلغ من المال يمكن الحصول عليه؟ في حين صوّر كل فتاة وهي تقوم بأمر ما أشغلها عن الصف، فهن في الحقيقة غير مهتمات بالتدريب وإنما يحضرن لأسباب أخرى. الأمهات بالثياب الملونة والمتدربات بالأبيض في نهاية الصف لقد أبدع دوجا في المنظور الذي صور منه الصف حيث يذكرنا كثيراً بالصورة الفوتوغرافية، فالفتيات القريبات تبدو أحجامهن كبيرة جداً مقارنة مع الأخريات في الخلف، كما أن المشهد يبدو مقصوصاً من الجانب الأيمن، وخطوط الأرضية الخشبية منحرفة بشدة كلما امتدت إلى الخلف. حتى الألوان البيضاء عكّرها دوجا ببعض اللألوان الترابية كما فعل مجتمع باريس ببراءة تلك الصغيرات، رغم محاولاته لإحيائها بإضفاء عدد من الألوان النضرة كالأخضر والأصفر والأزرق والزهريّ الذي ظهر في أشرطة الأحزمة وحلي الشعر وأحذية الصغيرات؛ فنهايات الثياب البيضاء تداخلت مع اللون الترابي للأرضية لدرجة جعلتها تندمج في بعض أطرافها معه. وجه الفتاة التي أضافها دوجا بعد إنهاء اللوحة لقد أظهر التحليل بأشعة إكس للوحة إلى أن دوجا قد قام بالكثير من التعديلات عليها مما يؤكد لنا أهمية اللوحة بالنسبة إليه وما قد يرمي إليه، ومن تلك التعديلات أنه أضاف بين الفتاتين المرسومتين في المقدمة إلى اليسار وجه فتاة تطرق بحياء إلى أسفل وتمسك بقرطها، في عالم بعيد عن عالم الصف، وكأنها تتذكر شيئاً أو تفكر في أمر ما، كما أن اختياره لرسم مدرب رجل كان راقص شهير في شبابه قد يكون فيه رمز إلى أن عالم الباليه عالم يديره الرجال فعلى الرغم من كون المتدربات فتيات إلا أن المتحكم في النهاية هو الرجل ويقوي هذا المعنى تصويره له في منتصف الصف وهو متكئ على عصاه بيديه الاثنتين وكأنه قد ضرب بالعصا على الأرض للتو ليشيع النظام. ولكن هذه السلطة قد بدت تزول قليلاً حيث إن المدرب يتحدث إلاّ أن أغلب الفتيات مشغولات عنه فلم تعد له السيطرة والقوة نفسها، وقد يكون ذلك رمز لانحطاط أوبرا باريس فهي كالرجل العجوز الذي كان له مجد قديم إلا أنه فقد قيمته بمرور الزمن. إذن لا تنخدع باللوحات الجميلة، فاللوحة تكذب أحياناً.