تغرق شجيرة الشيح في هواء يغمرها عابراً إلى وِحْدةٍ تنتظره عند جبل ينتصف في رمال حسمى* ، السماء تبدو وكأنها على موعد مع زرقة بحر تتضاءل الحاجة إليه في أذهان البدو الذين رحلوا من تهامة الساحل إلى أودية وجبال ضم، الواقعة إلى الجهة الشمالية الغربية من تبوك .. كنت أعبر هذا الفضاء وأنا أتساءل في نفسي: أين الشعراء من هذه الطبيعة التي تتراكم في المشهد والوعي ، وتنغمس في الوجدان ؟ ما الذي يجعلهم منفصلون عنها للدرجة التي لا تكاد تظهر ملامحها في قصائدهم إلا نادراً؟ لماذا يصر الشعراء على نقل الحالات الداخلية دون أن تُمزج بإحساسهم بالطبيعة من حولهم ؟ تستمر الأسئلة في الهطول بينما فتنة اللون الذي يحكي سهو الجبال تزداد ، والوحدة التي تنتظر الهواء تتبادل مع شجيرة الشيح أسرار وأغنيات الكثبان الرملية الحمراء ، يتساقط على رعشة الهواء مطر قليل ، وتبدو السماء وكأنها بدأت تستر عريها بأطراف غيم تتهادي من جهة الشرق .. تلفّني قصيدة البدر( أرفض المسافة ) بصمت وينتقل الهواء إلى حالة أكثر ثقة وهدوء ، ولا يعي ما الذي يدفع الشيح لبث رائحته في فضاء الوادي المطل على سفح جبل لا تنتهي حيرته ، أتذكر أشعار المهجر والشابي ودرويش (يطير الجمام ، يحط الحمام ، أعدي الأرض كي أستريح ، فغني أحبك حد التعب ، صباحك فاكهة للأغاني وهذا المساء ذهب ) وأنسي الحاج وأجد الملامسة الحقيقية للطبيعة في ما كتبوه ، تتنفس في داخلي ملامح الطبيعة التي نقلت بعناية جديدة من خلال رحابنة الشعر العامي الحديث : يارايح صوب مشرّق شرّق ماهو ربيعي.. راحوا يرعوا غنمهن والعشب فوق ضلوعي.! لتظهر متكاملة مع المشهد الداخلي ، ممزوجة بلظى الحياة (كما يقول الثبيتي محمد ) ، أواصل التأمل والتساؤل ، بينما الرمل الذي تلتقط الطيور من جبينه بعض الحبوب المنسية من عتاد بدو رحلوا البارحة ؛ يشد أسئلتي للصمت رغماً عنها .. أقول في نفسي أيضاً رغم الصمت ، أين الصحراء وحياة البادية والقرى والدهشة اليومية للطبيعة من قصائدنا ؟ .. لعلنا كنّا أسرى وبلا تأنٍ لحالة البوح عن المشاعر مجرّدة من إطارها اليومي ومنتزعة من فلك الطبيعة حتى أصبحت تظهر بهذا اللون الشعري الشاحب! عبق أخير : لعواض العصيمي عنك ابا احكي كلما للقافية قلتي نعم وانجب اسمك من زناد الذاكرة زخّة فَرَاش!! مابقى لي من حجاز العمر غير انثى نغم كلما ماغنّت قصيم الوقت قال الناس عاش