إلى أخي محمد الثبيتي.. حاضرًا.. حاضرًا.. أناديكَ قمْ.. يا محمدْ فإنَّ العيون التي انتظرتك طويلاً بكت في ظلال القصيدةِ والقيظ لف عباءته حول صدركَ حتى ترمدْ فقم يا محمدْ أناديك.. قمْ يا أمير القصيدةِ يا أبيض القلبِ والأفْق أسودْ أناديكَ قم.. يا محمدْ كأنّ فؤادك تلك الحديقةُ حين سقيت شجيراتها بالسهرْ ونسّقتها بالهمومْ نازلاً من سفوح حراءْ إلى ما وراء الجمومْ وهذي القصيدةُ تلك العنيدةُ أنت تركت لها الباب نصف مواربْ على أي بحر ستأتي على الرمل والمتقاربْ أم على بحر قلبكَ ذاك الذي بابه ليس يوصدْ أودعنا ربنا في البريةِ مثل فراش يحوم على نارهِ واستفقنا على الجرح يا صاحبي.. وضفاف الغيابْ فقل كيف تذهبْ ولمّا يزل في القصيدة «وضاح»(1) يلعب في الرمل حافيًا ووحيدًا.. في الهزيع الأخير من الحزنِ قم يا صديقي ستخمد ناري إن غبتْ يا أمير القصيدةِ يا سيّدَ البيدِ (زدنا من الشاذلية حتى تفيء السحابةْ وهات الربابة .. هات الربابةْ)(2) ينام المغني على الرملِِ يكتب معناه حتى يسوّي تضاريسه من جديدْ أو أنه سوف يحفر في قلبه عن معانٍ تعازفها الطير ذات نهارْ وكان القرين هو النايْ يا من ستكمل معنايْ إلى أين تذهب؟ فعد.. يا محمد سنموتْ يا لجلال الطبيعةِ شكرًا لربي فقد يفلح الأرضَ أبناؤها ويروحونْ وتبقى على الأرض أشجارهم كالقبورْ حيث رموا بمعاول أرواحهم في الشجرْ سيُقال كسروا جرة السهل وانطلقوا في الجبالْ حنّوا أصابع أرجلهم بالترابْ أقاموا منازلهم في الحنينْْ وجاسوا ليالْ وقالوا سلامًا على الناسِ محترقين مضوا ليضيئوا منازل أولادهم سيُقالْ كانوا يجيلون عن ليل أحلامهم ظلماتْ خلفها ظلماتْ ويبتكرون حدائقهم في الهجيرْ يقولون ما لم يكن في كتاب الكلامْ وما لم يمر ببال أراجيحهم في الأعالي سرائرهم.. ورسوم دفاترهم والنشيد الذي نثروه على وطن في القصيدِ مقصّات أطرافهم في ثياب الكتابةِ ما انتشلوه من الجب من شهقاتْ سيُقالْ ولدوا ساهمين لهم في التأمل غاباتهم وطرائدهم وقيافة آثار أشباههم في الحياةْ وكانوا يريدونَ ما ليس يرجونه في المحالْ سيقالْ هم الشعراءُ أماطوا لثام القصيدة عن وجهها فتبدت مها يتقيها الرجالْ ويُقالْ كان لهم وطنٌ كلّما طلبوه نأى وتعالى عليهم لم تطله أراجيحهم في الصغرْ فتمنّوه في زهرات الشبابِ التي ذبلت زهرة.. زهرة في إناء السنينْ لم يكن في يديهم حصى ليزدلفوا أو منى ليقيموا الخيامْ .. فتمّروا بآلْ وأناخوا ركائبهم في الخيالْ ثوّروها.. فقامت أتذكر إذ كنت تسرح بالإبْلِ يا صاحبي وأنا لا أذود عن الإبْلِ إلاّ السرابْ كيما نرى في البعيد بلادي بلادي.. بلادي.. لم يعد للقصيدة حادٍ فقم يا محمدْ قم يا محمدْ أناديك يا من وضعت القصيدة (عودًا) لعشاقها في المباخرْ وجاءتك (شوق)(3) بأوراقها كي تذاكرْ فهيئ لها من نشيدك درس الهجاءْ وشيّد لنا من قصيدك صرحًا ممردْ أقم من سهادك ديباجتيه وسافرْ.. على مهلٍ .. فالحياة التي يتمتنا طويلاً على ظهرها كم زهت في يديها دفاترْ وماتت دفاترْ فمن أي أحداقها سنرى ومن أي أبوابها سنغادرْ فسبحان مَن خلق الكلماتِ لنجعل منها الملاذ الأخيرَ وزاد المسافرْ هل أنا كي أكون سواي.. أغني وأنت حزين ومجهدْ لك الله ذاك الذي ليس يعبد إلاّه وأبوابه ليس توصدْ فقم يا محمد إني أناديك قم.. يا محمد (1) وضاح عنوان قصيدة للثبيتي (2) مقطع من قصيدة التضاريس (3) ابنة الشاعر