(1) ..أن يموت محمد الثبيتي فكأنك تتخيل أن تستيقظ ذات أرق فيصعقك مشهد اختفاء جبال السروات في الجنوب,أو جبلي أجا وسلمى الشماليين,أو جبال رضوى الممتدة غربا بمحاذاة البحر السحيق.أو كأنك تتخيل ألا قمر يضئ,ولا شمس تشرق,ولا نهر ينهمر يسقي القلوب الموجوعة بالظمأ !محمد الثبيتي صنو لتلك الظواهر الكونية الأبدية التي تمنحنا الجمال والألق والضياء والدفء والحياة..كيف لبدوي ظل يرعى نخلته السامقة في أنساغ روحه ستين عاما.. يظل بها ويستظل..يطيب لها ويتطيب منها وفيها..تميل له بالعذوق المثمرات,ويميل إليها بحبات الروح,ثم تموت فجأة..يالها من فجيعة يتلظى بوجعها بدوي عشق في العمر نخلة!وفجيعتنا بك يامحمد الثبيتي حقيقة مؤلمة كحقيقة موت النخيل والأنهار والأزهار والأطيار.. (2) ياسيد البيد من بعدك يكون عرافا لصحرائنا,يستسقي رمالها»يصوغ من آلامها قدحا/ومن آمالها إبريقا»؟..من سواك يسامق نخيلنا ليكون وإياها صنوان»أحدهما تدعيه النياشين/والآخر تشتهيه البساتين»؟..من سواك أيها الشاعر الهائل يملك عصا القريتين..عصاك التي نعرفها..»ليكتب نافرة الحروف ببطن مكة/والأهلة حول وجهه مستهلة»؟..من أين لنا يامحمد برجل يعيش بيننا»لايلم نثار أجنحته أفق أو مدى»؟..من سواك أيها النبيل»يفتض أبكار النجوم»فتشع كواكب السماء غيرة ودهشة؟..من بعدك ياسيد القصيد ينشد»للنخل للكثبان للشيح الشمالي/للنفحات من ريح الصبا»؟..من بعدك يغني»للشمس/للجبل الحجازي والبحر التهامي»؟..من سواك ياسيد الكلمات يرقينا بالحروف»التي لاترى/والحروف التي تتناسل تحت الثرى/والحروف التي تباح ولا تستباح»؟..من غيرك أيها الفارس المثخن بالجراح العظيمة»يمخر لنا جانب الليل,حتى تتدلى عناقيده لقمر ناصع وغرام مباح»؟..من غيرك»يمخر صباح التيه منفردا يبحث عن لحن يرقص عرائس الجن التي لاتنام»؟؟ ..من سواك أيها الرجل(الكبير)ينتصب بكبرياء على النطع»ليجري دمه نبعا من العشق في عروق العذارى»؟..من بعدك يامحمد الثيبتي «يدير لنا مهجة الصبح ممزوجة باللظى/ويقلب مواجعنا فوق جمر الغضا»؟..ثم يأتي بالربابة يموسق بها نداء الأشجار وتعب القرى؟..من سواك يا(الثبيتي)يأتي لنا بكاهن الحي»ليضرب لنا موعدا في الجزيرة/يسري بنا الليل في طور سيناء/يرتل علينا هزيعا من الليل والوطن المنتظر»؟..من بعدك أيها البصير المبصر يعيرنا مقلتيه لنرى..ويمنحنا حلمه لنضرب في الرمال تيها حتى نجد آثار أقدام السليك ومعن بن زائدة»؟..من غيرك أيها الجرئ المجترئ يسبق الخلق أبدا ليرد الماء,الذي يهبنا الخصب والحياة والجمال,بعد أن»استودعتك –وحدك- رمال الجزيرة بكارتها»؟..من غيرك أيها العاشق الخالص»يعل المطايا ويصب لنا وطنا في عيون الصبايا»؟... ..أبا يوسف..أجزم ألا أحد..ألا أحد! (3) ..يامحمد عواض الثبيتي يخامرني صوتك الشجي الصاخب بالشعر فأكاد أصعق من وحشة السكون,وينتابني حديثك غزيرا خاشعا كالدعاء,فيعتور الأنفاس احتراقا يزيد الوعد نورا,ويتبددني وجع غامر أنأى به عن سعيد السريحي و عبدالله الصيخان ومحمد جبر وخالد قماش وحمد الفقيه وياسر الجهني,وكل الذين أحبوك وأجلوك وتوجوك سيدا للجراح العظيمة.. ياسيد البيد والقصيد,لازلت أتذكر تلك الليلة الطائفية الباردة التي أدفأها جمر أنفاسك,وأنا أشاركك المثول على منصة لاتليق إلا بك,وقلت وقتها عنك كلاما لم أقله لأحد,ولم أقله بعد,ثم ظللت أنصت إليك مليا وأنظر إليك مليا..حتى تعبت من وجع الجمال الماثل بالجوار..فالجمال(الجمال) يوجع يامحمد..!وجمالك حد الوجع! (4) ..يامحمد الثبيتي..يارائحة الرمل المعفر بماء السماء,يانداء الروح للأجساد المنهكة..ياعشبة برية استمرأت الخوض في لعبة الوجود الفاتن..أشهد أنا لم ننصفك..أشهد أن موتك-بقدر الله- كارثة بفعل( فاعل) يدري ولايدري!وإلا ماذا يسمى موت الطيور عندما يغلق (الحراس )حدود الفضاء,ثم تكل تبحث عن شجر تلوذ به فلا تجد؟!وماذا يسمى موت عزيز قوم تحول مجلسه الفروسي الأبي بلحظة عابثة إلى منتدى شبابي(كوول) لإشاعة السخريات والكلام الرخيص؟!ماذا يسمى موت (شاعر حقيقي ) أخرجه النبيلون في ليلة تكريمه الساحلية من الأبواب الخلفية خوفا عليه من الذين يكرهون (التضاريس ) و (الرمال) و (النخيل)و(الجمال),ليذهبوا به بعيدا..بعيدا,ثم يكرموه في الظلام بعيدا عن عيون المدينة والناس! وهو الذي يستحق أن يتوج على قمة جبل في وضح النهار وأمام الذين يعرفون ولا يعرفون !. (5) هل تعلم يا محمد الثبيتي أن الدروب أضحت موحشة,وأن المدينة تسبح في هواء من(القار),ولاأحد!أتدري ياصاحبي «ويش اللي كبر ظلالك/ إنك هناك بعيد/ بعيد... ولحالك»! .أي نشيج هذا الذي يناديك من التراب إلى أعلى السماوات وأنت غياب الملكوت تهيم؟أم أية لغة اللحظة تحمل بعض سماتك..بعض جلالك؟ .. يا أبا يوسف رحلت للذي أرحم(منا) و (منهم) ..لأرحم الراحمين..لله العزيز الرحيم. هل لي أن أرثيك أخيرا بأجمل الذي كنت تقول : « ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوما/وأنت الذي في حلوق المصابيح أغنية لا تموت/ ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوما / وأنت الذي في قلوب الصبايا هوى لا يموت / ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوما / وأنت الذي في عروق الثرى نخلة لا تموت»..أنت نخلة لاتموت..نخلة لاتموت...رحمك الله.