من النادر جداً أن تُقابل شاعراً لا يدعي سرقة قصيدة أو أبيات من أبياته من قِبل شعراء آخرين، ويشترك في هذا الادعاء الشاعر المبُدع مع الشاعر الذي يُعاني من فقر في الإبداع، ولعل هذا الأمر هو ما ساهم إسهاماً واضحاً في كثرة المؤلفات والدراسات التي تناولت قضية السرقات الشعرية حتى أشبعتها أو قتلتها تأملاً ودراسة، والمطلع على بعض تلك المؤلفات يلحظ بأنه لا يكاد يسلم شاعر من الاتهام بسرقة شاعر سابق أو مُعاصر له، فشعراء العربية الكبار كالمتنبي وجرير والفرزدق وأبو تمام وغيرهم الكثير وُجهت لهم تهمة السرقة من شعراء يفوقونهم أو يقلون عنهم في القدرة الإبداعية، وقد صرّح بعضهم بجُرأة بقيامه بسرقة ما يُعجبه من القصائد كما فعل الفرزدق حين قال لأبي عمرو بن العلاء بعدما كشف سرقته لأحد الشعراء: "اكتمها، فَلَضوال الشعر أحب إلي من ضوال الإبل"..! وإذا كان كثير من الشعراء يعدون السرقة عيباً قادحاً في مواهبهم ومقدرتهم الشعرية، وينفون السرقة عن أنفسهم كما فعل طرفة بن العبد حينما قال: ولا أُغيرُ على الأشعارِ أسرِقُها عَنها غنيتُ وشرُ الناسِ من سرقا فإن جودة بعض القصائد التي يُبدعها شعراء مغمورون تُغري بعض الشعراء المبدعين بالإغارة عليها وسرقتها بنصّها أو بعد إجراء تحويرات قليلة عليها لإبعاد شبهة السرقة، وأذكر أن أحد الشعراء الشعبيين المعروفين تورّط قبل سنوات بسرقة قصيدة شاعر مغمور ونشرها في ديوانه المطبوع بعد أن غفل عن وجودها ضمن مجموعة شعرية سبقت في صدورها طبع ديوانه بأعوام، وهذه السرقة وسرقات كثيرة غيرها من السرقات التي يكون أبطالها من الشعراء المعروفين تؤكد إلى حد بعيد مقولة الأخطل عندما قال: ""نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة".! ومن الطريف في سياق سرقات الشعراء أن هناك مؤلفات قصرت عنايتها على أخبار وأشعار (لصوص) الشعراء بالمعنى الأشمل ل اللصوصية ككتاب (ديوان اللصوص) للدكتور محمد طريفي، إذ ثمة شعراء حرصوا على تركيز جهودهم على سرقة ما خفّ (أو ثقل) وزنه وغلا ثمنه من كل شيء أكثر من حرصهم على سرقة القصائد التي تثقُل قيمتها الفنية في ميزان الإبداع الشعري، ورأوا بأن ضالة الإبل أكثر نفعاً من ضالة الشعر..! أخيراً يقول المبدع طلال الجميلي: ما عاد ف أيامنا حاجات تفرحنا صرنا ندوّر من الأيام لو بسمه العام تعجز ظروف الوقت تجرحنا واليوم كل الجروح تثور من نسمه!