الجامعات في العالم أجمع هي مؤسسات تعليمية ولكن بدور اجتماعي خالص بمعنى دقيق الجامعات التي لا تقدم للمجتمع سوى التعليم هي مدارس ثانوية كبيرة، والجامعات التي تغلق أبوابها منتصف النهار أو قبله هي دائرة حكومية، والأستاذ الجامعي الذي يعتقد أن علاقته بالجامعة تنتهي بمجرد الخروج من قاعة المحاضرات هو موظف وليس أستاذا جامعيا ، والجامعة التي لا تتبنى مجتمعها المحلي هي مجرد مؤسسات لتوزيع الشهادات على الناجحين. في معظم دول العالم تقوم مدن صغيرة بسبب وجود جامعة حولها، وتصبح هذه الجامعة هي مصدر الحياة لهذه المدينة اقتصاديا واجتماعيا ، كما أن الدول المتقدمة يتم التعريف بها من خلال مؤسساتها التعليمية فعندما نقول ، هارفرد ، أو السوربون ، أو كامبردج ترتبط هذه المؤسسات فورا في عقولنا بدول متقدمة حققت الكثير من المعرفة والتحضر وكان سببهما الدور الذي قدمته هذه الجامعات لمجتمعاتها المحلية ولمجتمع دولها بشكله الكلي. عمليات التحضر والتطور مهما كان اتجاهها تمر عبر بوابة المؤسسات التعليمية المتقدمة وليس هناك غير بوابة الجامعات لإنتاج مجتمع وثقافة وحضارة لأي مجموعة بشرية في العالم فهي مصدر لإنتاج العقول، وإنتاج النمو والتحضر عبر هذه العقول. جامعاتنا القديمة منها والحديثة كما يبدو للمراقب من الخارج انقسمت إلى قسمين بعضها تحوّل إلى مدارس ثانوية كبيرة وبعضها لديه محاولات كثيرة للوصول إلى المجتمع من حوله بل والقفز إلى العالمية ، ولكن السؤال المهم يقول ماذا يتوقع المجتمع من هذه الجامعات الجامعات الحقيقية والراغبة في المساهمة في الحياة المجتمعية هي محور التحول الاجتماعي والثقافي بل هي مفتاح الحضارة والتاريخ الذي يذكر لنا كيف بنت أوربا حضارتها فلم يذكر التاريخ معركة سياسية أو اقتصادية حولت عقول البشر إلى عقول متعلمة بل إن كل الغزوات والحروب في العالم مهما كان الانتصار فيها إنما هي آثار مؤقتة وغير فاعلة، ولكن التاريخ الذي حوّل أوربا إلى ما هي عليه اليوم ذكر لنا كيف ركبت تلك المجتمعات حصان التعليم والمعرفة لتحقيق كل مظاهر التحضر وذلك عندما استفادت من منتجات المعرفة في العالم الإسلامي وغيره. في مجتمعنا تحديدا حدث تحول كبير خلال السنوات الخمس الماضية فيما يتعلق بالجامعات والتعليم العالي وهو أمر سيكتبه التاريخ الوطني كونه سوف يشكل انعطافا محوريا نحو إنتاج جيل المعرفة ، فقد تم افتتاح عشرات الجامعات في جميع مناطق المملكة كما تم إطلاق مشروع خادم الحرمين الشريفين حفظه الله للابتعاث والذي يمكن اعتباره مفصلا أساسيا في تاريخ هذا الوطن الكبير فهذه التطورات نحو التعليم العالي ودعمه اقتصاديا وسياسيا لابد وأن تنتج بشكل إيجابي جيلا من الشباب السعودي الذي سوف يلعب دورا مهما في تطوير المحتوى الفكري والثقافي في المجتمع عبر تلقيه تعليما مميزا سواء في الداخل أو الخارج. اليوم ونحن نرى هذه الجامعات وهؤلاء الطلاب نتساءل عن هذه الجامعات وهل هي جميعها تسير في اتجاه ايجابي يتوافق وأهداف الدعم السياسي والاقتصادي لمشروعات التعليم العالي في المملكة؟ جامعاتنا القديمة منها والحديثة كما يبدو للمراقب من الخارج انقسمت إلى قسمين بعضها تحوّل إلى مدارس ثانوية كبيرة وبعضها لديه محاولات كثيرة للوصول إلى المجتمع من حوله بل والقفز إلى العالمية ، ولكن السؤال المهم يقول ماذا يتوقع المجتمع من هذه الجامعات، وماذا ينتظر منها وماذا ينتظر من طلابها العائدين من البعثات..؟ أعتقد أن طلاب البعثات هم ثروة حقيقية لهذا المجتمع والذين لديهم تفكير سلبي تجاه البعثات والمبتعثين عليهم أن يتذكروا أن هؤلاء الطلاب لم نستوردهم من الخارج عبر البعثات هم أبناؤنا وهم عدد من سكان هذا المجتمع ولذلك فالذين يعزفون على سيمفونية كيفية استيعابهم بعد عودتهم ، عليهم أن يتذكروا جيدا أن هؤلاء الطلاب لابد من استيعابهم تلقائيا كمهمة مجتمعية سواء ابتعثوا أم لم يبتعثوا لأنهم جزء من سكان هذا المجتمع لذلك فإن قرار ابتعاثهم قرار حكيم وذو رؤية مستقبلية ثاقبة. لذلك أعتقد أن ابتعاث المزيد من الطلاب مع تحسين في بعض شروط الابتعاث في ظل هذه الظروف الاقتصادية والدعم السياسي هو أمر إيجابي لكونه سيساهم في تحسين الكثير من المعايير التربوية والثقافية والاجتماعية داخل هذا المجتمع. ولكي تحقق وزارة التعليم العالي في هذا المشروع المزيد من النجاح نحو هذا الاتجاه فقد يمكنها التفكير أيضا نحو الاستفادة من السنوات التحضيرية في الجامعات السعودية؛ حيث تمنح مقاعد للابتعاث تخصص لطلاب السنوات التحضيرية بنسب ليست كبيرة لإعطاء الفرصة للطلاب والطالبات المتميزين من الداخلين الجدد لتلك الجامعات، والذين يجتازون ويحققون مستويات علمية متقدمة في اللغة الانجليزية والمواد العلمية بحيث يحصل هؤلاء الطلاب والذين يفترض أن يكون تميزهم وفق أعلى المعايير بحيث يمكن لهم الدخول مباشرة في الجامعات دون المرور بسنوات اللغة الانجليزية. هذه المجموعات من الطلاب المميزين سوف تصبح أساسا لعلماء ومبدعين ومخترعين من الطلاب والطالبات السعوديين وهذا هدف حقيقي وأصيل لمشروع خادم الحرمين للابتعاث. اما فيما يخص الجامعات المحلية فلابد من تغيير مفهومها وثقافتها وعليها أن تغير من ثقافتها التقليدية نحو ثقافة تتوافق والتطور والثورة العلمية التي تحدث في العالم اليوم ، فنحن اليوم في العصر الذهبي لدعم المسيرة التعليمية على جميع المستويات وأعتقد جازما أن الدعم السياسي والاقتصادي الذي تلقاه مؤسسات التعليم بجميع أشكالها وأخص تحديدا الجامعات هو فرصة إما أن تستثمر أو سوف تمر لذلك يتحتم جديا التفكير في كسب الفرص بدلا من مشاهدتها تمر. الجامعات السعودية دون استثناء يجب أن تُدفع بقوة نحو الاستفادة من تجارب الدول ومن جامعاتها بدلا من أن نستنسخ جامعة واحدة نجد صورتها في كل مدينة في وطننا. الجامعات السعودية بحاجة إلى أن تبني كل واحدة منها ثقافتها الخاصة، وأن تتوقف الجامعات السعودية عن ظاهرة الهوس بالتصنيف بجميع أشكاله فالتصنيف العالمي والمحلي يجب أن يكون نتيجة لحسن الأداء وليس سببا له، والحرص على المعايير الأكاديمية والمهنية العالية في أداء الجامعات هو من سيعبر بها إلى مصاف الجامعات المميزة. هناك جامعات سعودية حققت الكثير من النجاح وارتبطت بثقافة ميزتها عن غيرها وأتمنى أن تتنبه الجامعات الحديثة منها والقديمة إلى منهجيات واستراتيجيات مميزة لبناء ثقافة كل جامعة بما يخدم أهدافها التعليمية والمجتمعية. الشيء الذي ظل مفقودا في كل جامعاتنا مع كل أسف هو تواصلها الاجتماعي.. وما تحققه جامعاتنا من تواصل اجتماعي اليوم هو شكل من العلاقات العامة ويتم من خلال رعاية المؤتمرات أو إقامة الحفلات أو رعاية الدورات الخ .. من وسائل وأساليب العلاقات العامة ، أما النوع الثاني من التواصل الاجتماعي الحقيقي والقائم على دور الجامعات في تشكيل ثقافة المجتمع بجميع أبعادها فهو المفقود في جامعاتنا مع كل أسف..