على الرغم من أن الهدف الأساس من إنشاء المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني هو إعداد كوادر بشرية مهنية في سوق العمل، إلاّ أن هذه القوى لم تتمكن من أداء مهامها باحترافية، بل اثبت بعضها فشله الذريع، وهو ما جعل "مخرجات المؤسسة" على المحك، وانتقاد الكثيرين، وتحديداً أرباب العمل، ممن اضطروا إلى إعادة تدريبهم بما يتناسب وطبيعة عملهم. ويبقى السؤال ما أسباب هذا الضعف؟ .. هل هي في ضعف المناهج والبرامج التدريبية لهذه الكليات والمعاهد؟، أم في ضعف المدربين؟، أم في معايير قبول الطلاب؟، أم أن هناك فجوة بين القطاع الخاص والمؤسسة؟. هناك آراء كثيرة استخلصناها في هذا الموضوع، وأظهرت تحديداً أن جوهر المشكلة في نوعية التدريب، وأسلوبه، ونهجه، ومنهجه الذي لا يتلاءم مع التطوير التقني. ضعف المناهج في البداية أكد "د. نايف بن سلطان الشريف" - أستاذ القانون الاقتصادي بجامعة الملك عبد العزيز - أن السب الرئيس في ضعف مخرجات المؤسسة العامع للتعليم التقني والتدريب المهني يعود إلى المناهج والبرامج التدريبية وعدم ملاءمتها لاحتياج سوق العمل. وقال: "إن هذا الوهن الذي يتسم به تلك المناهج أجبر المتدرب وبعد أن قضي فترة التدريب إلى ارتياد مجال آخر لا يمت بصلة مع دراساته"، مشيراً إلى أن هناك اسبابا أخرى قادت لهذه المعضلة، وهي عدم وجود كوادر وطنية لها القدرة على القيام بالتدريس أو العمل في هذه الكليات؛ إلى جانب النقص الكبير في معامل التدريب، وضعف المستوى في مجال اللغة الانجليزية لدى المتدربين؛ ما جعل القطاع الخاص يجند الاستعانة بالعمالة الأجنبية. م. عبدالعزيز المطوع وأضاف: أن ضعف المؤهلات الأكاديمية لخريجي هذه الكليات ربما كان سبباً من أسباب هذه "المشكلة"؛ الأمر الذي يدعو إلى تفعيل الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من تنظيم المؤسسة، التي تدعو الى عقد شراكات إستراتيجية مع مؤسسات التدريب في القطاعين العام والخاص لإدارة وحدات التدريب المختلفة. وأشار إلى أن فشل المؤسسة في تحقيق أهدافها يعود أيضاً إلى غياب استراتيجة وطنية للتعليم التقني، ما أدى الى عزلته عن الواقع؛ فنتج عنه تزايد عدد العاطلين، مؤكداً أن النجاح يبدأ بإعادة هيكلة المؤسسة، وإعطاء أهمية قصوى لإستراتيجية التعليم التقني بالتعاون مع القطاع الخاص. خريجون ينتظرون «فرصة العمل» منذ سنوات والأولوية لا تزال للأجانب كوادر ضعيفة!! وقال "م. عبدالعزيز بن عبدالله المطوع" مدير عام شركة الكهرباء بمحافظة جدة أن المتدربين في الكليات التقنية يتسمون بقدر كبير من الضعف في مجالات العمل المختلفة، حيث أن هذه الكليات لا تمنحهم الفرصة الكافية لمزيد من التدريب، ذلك أن القطاع الخاص يحتاج دوماً الى كوادر جاهزة. وأضاف أن المعلومات التي يتزود بها المتدربين في الكليات التقنية لا يمكن أن تعينهم في دروب العمل؛ لأنها معلومات نظرية؛ الأمر الذي يدعو إلى إعادة تأهيلهم عبر مؤسسات لها القدرة في تنوع قدرات هذا الكوادر. م. إبراهيم السلمي المؤسسة ما قصرت! وأكد الأستاذ "عبدالغني بن عبدالله الزهراني" من منسوبي مشاريع مطار الملك عبد العزيز بجدة على أن إلقاء اللائمة على المتدرب "أكبر خطأ"، مشيراً إلى أن المشكلة أكبر منه، وبالتالي تتطلب جهوداً أكبر لحلها، وتحديداً من القطاع الخاص، داعياً المؤسسة إلى إعادة تقويم برامج "التدريب التعاوني"، و"الثلثي"؛ بما ينسجم مع احتياجات السوق، مشيداً بخطوات المؤسسة في هذا الجانب، ولكنها - من وجهة نظره - غير كافية، وغير مدعومة. وقال:"إن الشاب السعودي يمتلك القدرات والخبرات المهنية التي تؤهله لارتياد العمل الاحترافي في القطاع الخاص، وعلينا أن نحترم رسالة المؤسسة وأهدافها، ونقف معها؛ لأنها هي من يحقق أهداف هؤلاء الشباب، ويمنحهم فرصة الالتحاق بالعمل، وينسق في ذلك مع القطاع الخاص". د. نايف سلطان الشريف تسويق الكوادر ويرى "أحمد بن عبدالله الشغاغه" رجل أعمال، ورئيس مجلس إدارة مجموعة الصفوة، أن الكوادر التي أفرزتها الكليات التقنية لم تف بأي شكل من أشكال المهنية الاحترافية في مجال العمل التقني، بل إن مؤسسات القطاع الخاص لم تستفد من تلك الطاقات التي أثبتت فشلها. وقال: إن المشكلة هي في عدم قدرة الكليات على إبراز كوادرها، وتسويقها بالشكل المطلوب؛ بما يسهم في تغيير الصورة الذهنية عن نوعية المخرجات السلبية، داعياً إلى التعاون بين القطاع الخاص والمؤسسة لردم فجوة ضعف التأهيل إلى السوق. أحمد الشغاغة مخرجات لم تنضج وأكد "م. إبراهيم السلمي" من شركة أرامكو السعودية، أن القطاع الخاص يستبشر كثيراً بمخرجات الكليات والمعاهد التقنية والمهنية، إلاّ انه أصيب بخيبة أمل حينما خاض تجربته مع هذه المخرجات التي لم تكن في حالة من النضج، مؤكداً على أن القطاع الخاص منح العديد من الفرص الوظيفية لهذه الكوادر، إلاّ أنها لم تكن في المستوى المطلوب، داعياً إلى إعادة النظر في مكونات هذه الكليات، وتغيير أسلوبها ومنهجها حتى يكون لها الدور الأكبر في توفير كوادر بشرية ذات مستوى عالٍ من التدريب والتفوق التقني. عبدالغني الزهراني أبواب مغلقة والتقت "الرياض" بعدد من المتدربين وخريجي الكليات التقنية، وأجمعوا على أن القطاع الخاص لا يثق بقدراتهم المهنية ولا يرغب الإفادة من طاقاتهم، حيث يرى أصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة أن قدرات الدارسين في هذه الكليات لا تتناسب مع أعمالهم، ويحبذون أصحاب الخبرات الطويلة. وقال "سامي الجهني" أحد خريجي الكلية التقنية، إنه لم يجد وظيفة في القطاع الخاص، معللاً ذلك من أن أرباب العمل يبحثون عن الخبرات الأجنبية الرخيصة، وذات الكفاءة العالية؛ من دون أن يمنحوا الثقة في مخرجات الكليات التقنية، بينما قال "تركي العتيبي" إنه بعد أن قضى عامين من التدريب وجد أمامه كل الأبواب مغلقة، لأن اصحاب العمل لا يثقون فيهم، بينما توقف "محمد الزهراني" عن عناء البحث عن وظيفة بعد أن وصل إلى قناعة أن أصحاب العمل يرون أن خبرته لا تتوافق مع احتياجات العمل.