تمثل السوق الخليجية المشتركة المرحلة الثالثة من مراحل التكامل الاقتصادي الخليجي ، الذي بدأ بمرحلة قيام التجارة الحرة ، ثم الاتحاد الجمركي ، لتأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة وهي الاتحاد النقدي والعملة الموحدة، والسوق الخليجية المشتركة تسعى منذ تطبيقها في مطلع 2008 م للإسهام في تعميق مفهوم المواطنة الاقتصادية ، من خلال صدور عدة قرارات يمكن أن تستفيد منها شرائح واسعة من المجتمع الخليجي ، وهذه السوق تشمل عشرة مجالات هي : التنقل والإقامة ، العمل في القطاعات الحكومية والأهلية ، التأمين الاجتماعي والتقاعد ، ممارسة المهن والحرف ، مزاولة الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية ، تملك العقار(مدار الحديث)، تنقل رؤوس الأموال المعاملة الضريبية ، تداول وشراء الأسهم ، تأسيس الشركات ، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية . لقد أقرت المملكة مؤخراً التنظيم الجديد لتملك مواطني دول مجلس التعاون الخليجي للعقار لغرض السكن والإستثمار في خطوة تستهدف تفعيل المواطنة الخليجية ، والتوافق مع ما قضت به السوق الخليجية المشتركة، التي بدأ العمل بها منذ ثلاث سنوات ، وهذا التنظيم يأتي تعديلاً للتنظيم السابق المتضمن تحديد المساحة التي يمكن تملكها من قبل الخليجيين في غير دولهم لغرض السكن بمقدار ثلاثة آلاف متر مربع ، إضافة إلى عدم السماح بالتملك لغرض الاستثمار ، حيث اقتصر في ذلك على من يحمل ترخيصاً لممارسة الأنشطة الاقتصادية فسمح له بتملك العقار على قدر حاجته لممارسة نشاطه . وتضمن التنظيم الجديد الذى تم إقراره لتملك الخليجيين للعقار بعض الضوابط التي تهدف للحد من استغلال هذا التملك في المضاربة أو رفع الأسعار وخلافه، وتتمثل تلك الضوابط في عدم إعطاء الحق لمن يمتلك أرضاً ببيعها إلا بعد مرور أربع سنوات ، أو بعد استثمارها والبناء عليها ، كما اشترط عليه عدم الاحتفاظ بها لأكثر من أربع سنوات دون استغلالها والتصرف بها ، كما استثنى التنظيم التملك في كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورة المقصورة على السعوديين فقط ، كما أعطى التنظيم الحق للدول الأعضاء في المجلس أن تتخذ أي إجراءات أو تدابير احترازية للحد من الظواهر السلبية التي قد تنتج من فتح مجال تملك العقار واستثماره ، شريطة ألا تكون تمييزية وأن تطبق على مواطني الدول الخليجية على حد سواء . إن إجمالي عدد مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الممتلكين للعقار بالدول الأعضاء وفق آخر إحصائية منشورة عن ذلك يتجاوز بقليل الستين ألف مواطن خليجي ، وهم بذلك يمثلون نسبة تبلغ حوالي 0.1 % فقط من إجمالي سكان دول الخليج المواطنين، يمتلك لدينا في المملكة منهم حوالي ستة آلاف مواطن خليجي ، يمثلون 10 % من إجمالي عدد مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الممتلكين للعقار بالدول الأعضاء في المجلس، يتصدرهم وفق البيانات المنشورة لدينا في المملكة من حيث العدد الكويتيون ، يليهم البحرينيون ، ثم القطريون ، فالإمارتيون ، وتتفاوت المناطق التي يمتلك فيها أولئك الخليجيون ما بين مدن تقع في مناطق حدودية مثل الخفجي والنعيرية وحفر الباطن إلى مدن في مناطق سياحية مثل الطائف وأبها . من تلك البيانات يظهر أن أثر تملك مواطني دول مجلس التعاون للعقار لدينا بغرض السكن خلال الفترة السابقة كان محدوداً جداً على السوق العقارية المحلية ، أما من حيث الاستثمار رغم محدوديته فغير منشور إن كان تم رصده ، لذا فإن ما نتطلع إليه بعد إقرار المملكة للتنظيم الجديد لتملك الخليجيين للعقار في دول مجلس التعاون الذي لم يقيد تملك المواطن الخليجي للعقار على السكن فقط وإنما أتاح له أيضاً الاستثمار هو أن ينعكس ذلك على تنمية القطاع العقاري بوجه عام وعلى نحو خاص مجال الاستثمار في تطوير مشروعات الإسكان وتلبية احتياج السوق المحلي من الوحدات السكنية ، فهل ما رأيناه من أثر محدود لتنظيم تملك الخليجيين للعقار بغرض السكن سيكون على نقيضه حينما يوجه لغرض الاستثمار .... ؟ لننتظر ما سيتم رصده و نرى.