لنفترض مثلاً أن ابنك دخل المنزل وعليه سيماء الغضب وبيده حجارة أخذ يكسر بها الفوانيس وزجاج النوافذ و الصحون كيف سيكون موقفك منه؟ سؤال يبدو ساذجاً وغير معقول ولكنه يحدث على أرض الواقع. فالوطن بيتنا الكبير، لا يقبل عاقل بأن يخرّبه ثلة من الصبيان والمراهقين لم يجدوا من يردعهم. حكاية اليوم مسرحها إحدى الحدائق العامّة في العاصمة الرياض . الممثلون فيها مجموعة من الصبيان المتسكعين بعد خروجهم من المدرسة في يوم امتحان. هل تجمّع أولئك الفتية كي يستمتعوا بمكونات الحديقة من أشجار وزهور وممرات وحتى ألعاب ؟؟ هل كان تجمعهم بغرض الترويح عن النفس بعد عناء المذاكرة وإفراغ ما تم حشوه في أدمغتهم على أوراق الاختبارات؟؟ أو على أقل تقدير، هل كفّوا أذاهم وتخريبهم واندفاعهم المحموم بغير ضابط أخلاقي أو تربوي؟؟ أبدا كل هذا لم يحدث. الذي حدث حسب رواية شاهد عيان أنهم وبعد تداول السجائر بين أيديهم وشفاههم بدأت شياطينهم في التحرّك. جمعوا حجارة وبدأوا حذفها في كل اتجاه. وكأيّ قطيع منفلت أشار أحدهم إلى أعمدة الإضاءة فوجهوا حجارتهم عليها بتكسير عبثي يجعل العاقل يخرج عن طوره. يقول الشاهد إنني حاولت التدخّل فتذكرت أنني جار للحديقة وخفت أن يعتدوا عليّ ويكسروا بيتي أو سيارتي. حارس الحديقة الأعزل اختبأ في غرفته وأقفل الباب، ومع هذا لم يسلم من حجارتهم. استمر المشهد بارتفاع وتيرة جنون الصبيان وعبثهم يكسرون كل شيء قابل للكسر ويقذفون الشجر والأعمدة. والألعاب حتى أنهكهم التعب وليس الخشية من العقاب. توقفوا وهم يتضاحكون ويصرخون بهستيريا. يقول الشاهد كُدتُ أُصاب (بالجلطة) حُزناً على بلادي إذا كان هؤلاء الرعاع هُم من سيقود مستقبله. وتساءلت في نفسي من المسؤول ؟؟ أهو من قصّر في تربيتهم في المنزل ؟؟ أم هي مؤسسات التربية التي ليس لها من اسمها نصيب ؟؟ أم هو المجتمع أو الشارع أو وكالة الأقران ؟؟ قيل بأن تربية الطفل يجب أن تبدأ قبل ولادته بعشرين عاماً، وذلك بتربية أُمّه. لكن يقول البعض لا تحمّلوننا أخطاء المدرسة فنحن ندفع إليها بصغارنا أسوياء وتُعيدهم لنا أشقياء..! يقول مونتاين (1580) أن الرأس المُجهّز جيداً خير من الرأس المملوء. يبدو أن رؤوس صغارنا غصّتْ بالنفايات.