مطارات الرياض وهندسة مسار تجربة المسافرين    السعودية ال19 عالميا في القدرة التنافسية للذكاء الاصطناعي    %86 من السعوديين يمارسون أنشطة الترفيه الرياضي    أمريكا تعترض سفينة أخرى قرب فنزويلا    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    الانفصال.. خيار مستحيل جيوسياسيًا في اليمن    اليمن.. صراع النُخب مزّق الوطن    نابولي وبولونيا .. وجهًا لوجه في نهائي كأس السوبر الإيطالي    كونتي: بلغنا النهائي بجدارة واستحقاق.. وإيتاليانو بسعادة: نعتز بدعم الأسطورة روبيرتو باجيو    المغرب يهزم جزر القمر بثنائية في افتتاح كأس الأمم الأفريقية    المحسن يكتب.. وَهَبهم البطولة والإنتصار .. بأهدافه وتخطيطه المكّار    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    الفن وأصوات النجوم يعيدان وادي صفار للواجهة    "الرياض وجدة" تعززان حضورهما السياحي والثقافي مع قرب انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    أكاديمية مهد الرياضية ومسك توقّعان مذكرة تفاهم    لغة نصفق لها ولغة نستخدمها    الصراع الإسرائيلي الإيراني بين الضربات العسكرية وحسابات الردع    منهج الاحتلال.. استيطان وعنف    رافينيا ويامال يقودان برشلونة لفوز ثمين في معقل فياريال بالدوري الإسباني    قرارات تطويرية لتكامل المنظومة الدينية بالحرمين    نائب أمير جازان يستقبل رئيس الجامعة و يستعرض المشاريع التطويرية    أمير حائل يطّلع على مشاركة أمانة المنطقة في معرض "خيرات حائل"    أمانة المدينة: نسبة أعمال جسر "الصافية" بلغت 56٪    أمير الرياض يستقبل سفيرة الجمهورية الهيلينية المعيَّنة حديثًا لدى المملكة    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    القبض على مواطن بتبوك لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    HONOR تكشف عن هاتف MAGIC8 PRO في السعودية خلال حفل إطلاق في ذا أرينا    اختتام معرض جدة الدولي للكتاب 2025    دله الصحية تضيف مستشفى المملكة إلى مجموعة مستشفياتها عبر الاستحواذ على الأسهم المتبقية في شركة درع الرعاية القابضة    من «بيوت الموت» إلى منصات التوقيع… سعاد عسيري تدشّن روايتها الأولى في معرض جدة للكتاب 2025    افتتاح فعالية «السهي فيو» ضمن مهرجان جازان 26    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    المملكة.. إغاثة بلا حدود    الزايدي محاضراً    محافظ رأس تنورة يكرم اليامي    الماجستير لشروق    المركز الوطني للعمليات الأمنية يستعرض تجربة حية عبر تقنية الواقع لزوّار معرض "واحة الأمن"    في افتتاح كأس أمم أفريقيا 2025.. المغرب لتأكيد عقدته التاريخية لجزر القمر    الفريق يغادر اليوم لمواجهة الشارقة في «النخبة».. أزمة نيفيز تثير قلق الهلاليين… والحمدان يرفض العرض    وفد أعضاء مجلس الشورى يطلع على أعمال هيئة تطوير محافظة جدة    اجتمع بالملحقين التجاريين للمملكة..الخريف: تمكين فرص الاستثمار في الصناعة والتعدين    الدبلوماسية السعودية النشطة تثمر.. نقلة تاريخية لسوريا بعد إلغاء «قانون قيصر»    الحارثي يطلق من الأحساء أولى نسخ مبادرة «ضوء».. تعزيز حضور المنتدى السعودي للإعلام بمختلف المناطق    القحطاني يكرم الجمعان    مركز الملك سلمان يدعم المحتاجين باستمرار.. عطاء إنساني دولي يخفف معاناة المتضررين بالعالم    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين في ماليزيا ومفتي رواندا    خطيب المسجد الحرام: إذا تولى الله عبدًا أكرمه وهداه    إمام المسجد النبوي: الإسلام يسمو بالأخلاق ويربطها بالإيمان    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُنقذ مراجعاً مصاباً بانسداد حاد نسبته "99 %" بالشريان التاجي الأيسر    تشغيل نظام الأرشفة الإلكترونية بمستشفى الأسياح    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    أداة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن سرطان الكلى    إنطلاق التصفيات الأولية لمسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم في جازان    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشرون عاماً على عاصفة الصحراء
نشر في الرياض يوم 28 - 01 - 2011

كيف يُمكن قراءة معادلة الأمن في الخليج بعد عشرين عاماً على "عاصفة الصحراء"؟ هل نحن بصدد بيئة أكثر استقراراً من تلك التي كانت سائدة في العام 1991؟
أجل، لقد دخل أمن الخليج مرحلة إعادة التعريف الاستراتيجي منذ اللحظة التي قُدر فيها لعاصفة الصحراء أن تنهي القوة العراقية، وتُعيد رسم موازين القوى في النظام الإقليمي الخليجي.
في إعادة الرسم هذه، انهار التوازن الاستراتيجي الهش، الذي ساد الخليج في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
واتساقاً مع هذا الانهيار، بدت القوة الإيرانية وقد تعاظمت حضوراً، دونما موازن يوازنها.
وعليه، دخل الخليج مرحلة أحادية القوة بعد ثنائيتها. وهي أحادية لا تزال بادية، متجلية أمنياً، ومعبرة عن ذاتها في التفاعلات السياسية ثنائياً، كما في سياقها الناظم أو المنتظم جمعياً.
في ضوء ذلك، وانسجاماً مع هذا المتغيّر، أو كنتيجة فرعية له، رمت الولايات المتحدة بثقلها العسكري في الخليج، براً وبحراً.
وهنا، حدث متغيّر جديد، فرعي أو تابع للمتغيّر الرئيسي، المتمثل في انهيار التوازن الاستراتيجي في النظام الإقليمي الخليجي.
هذا المتغيّر التابع، عبر عن نفسه، بالتوصيف الاستراتيجي، بالموازن الخارجي. أي القوة الخارجية التي توازن القوة الإيرانية. وهي هنا الوجود العسكري الأميركي.
فقد أفرزت عاصفة الصحراء متغيّراً رئيسياً هو انهيار التوازن الاستراتيجي في النظام الإقليمي الخليجي، ومتغيّراً تابعاً هو ظهور الموازن الخارجي كبديل لفراغٍ، لا زال بالمقدور وصفه فراغاً.
وعلى الرغم من ذلك، علينا أن نقر بدايةً أننا بصدد مقولة ذات طابع إشكالي، تثير قدراً متعاظماً من التحديات المنهجية والمضمونية على حد سواء، إذ كيف يُمكن للقوة العسكرية وحدها أن تصبح موازناً للدولة، بكامل وزنها الجيوبوليتيكي، الذي لا تمثل القوة العسكرية سوى أحد أبعاده؟!
وأياً يكن الأمر، فقد أفرزت عاصفة الصحراء متغيّراً رئيسياً هو انهيار التوازن الاستراتيجي في النظام الإقليمي الخليجي، ومتغيّراً تابعاً هو ظهور الموازن الخارجي كبديل لفراغٍ، لا زال بالمقدور وصفه فراغاً.
ولأول وهلة، بدا أن عاصفة الصحراء ستقود إلى اقتراب بين إيران ودول الداخل الخليجي، أي دول مجلس التعاون الست، بقدر دفعها هذه الدول بعيداً عن العراق. وكان مثل هذا الافتراض يُمكن استنتاجه في التحليل السياسي الأولي والمباشر. بيد أن انهيار التوازن الاستراتيجي في النظام الإقليمي الخليجي كانت إحدى نتائجه الفرعية تضخم هواجس دول الداخل حيال القوة الإيرانية، الأمر الذي حال دون اقتراب هذه الدول من إيران اقتراباً ذا مغزى، أو لنقل ذا طابع استراتيجي، تتفوق في ظله التفاعلات التعاونية على تلك ذات الطابع الصراعي، المرتكز إلى موروث قلق وواقع مشوش.
ولكن ماذا عن تداعيات عاصفة الصحراء على التفاعلات البينية ضمن دول الداخل الخليجي ذاته؟هل دفعت باتجاه زيادة فرص التماسك في هذا الداخل أم قادت إلى الحد منها؟
إن إجماع دول الداخل الخليجي على عاصفة الصحراء لم يترجم نفسه إجماعاً على نتائجها، أو لنقل عواقبها الجيوسياسية.
لقد اختلفت هذه الدول حيال التعامل مع العراق الذي جرى عزله، ومع إيران التي عوّمت مواقفها، ومع اليمن التي أريد معاقبتها، ومع الواقع العربي الذي انقسم على نفسه. كما لم تكن هذه الدول موحدة في مقاربتها للوجود العسكري الأميركي، وهي لا تزال كذلك على هذا الصعيد.
وفوق ذلك كله، شهدت مرحلة ما بعد عاصفة الصحراء إعادة إنتاج للنزاعات الحدودية، والمطالب السيادية، التي تضخمت على نحو لم يكن في حسبان أحد.
المشهد الآخر في خليج ما بعد عاصفة الصحراء هو مشهد العراق المعزول.
هذا العراق، الذي عُزل استراتيجياً وحُيّدت قدراته العسكرية عن معادلة القوة في الإقليم، بقي حاضراً في مناخ التقاطب السياسي الإقليمي، على الصعيدين السياسي والأيديولوجي.
وتجلى أحد رهانات ما بعد عاصفة الصحراء في حدوث تقارب إيراني - عراقي، على خلفية الشعور المشترك بالاستهداف، إلا أن ذلك لم يحدث، على الرغم من كل المحاولات التي بذلتها بغداد على هذا الصعيد، والتي وظفت من أجلها مقولات دينية وسياسية، كانت في الأصل بعيدة عن الخطاب العراقي.
وبالطبع، كان الرهان العراقي على هذا الصعيد يحمل من الدلالات الاستراتيجية الشيء الكثير، بل والكثير جداً، بيد أن ميراث الحرب العراقية - الإيرانية، وتوتر علاقات بغداد بجملة من العواصم العربية والإقليمية، قد حالا دون تحقيق هذا الرهان. وليس واضحاً ما إذا كانت طهران قد استنتجت اليوم بأن بقاءها بعيداً عن بغداد كان في محله أم لا. أو لنقل خدم مصالحها بعيدة المدى أم أضر بها.
في نسق آخر من التفاعلات، تحركت بعض دول الداخل الخليجي محاولةً فتح ثغرة في جدار العزلة المفروض على العراق. وكان هذا التحرك مستنداً في بعض الحالات إلى اعتبارات مرتبطة بالظروف الصعبة التي عانى منها الشعب العراقي في ظل الحصار.
وفي حالات أخرى، بدا تحرك بعض دول الداخل الخليجي مرتكزاً إلى حسابات التوازن، كما التوترات البينية، ضمن هذا الداخل نفسه.
وفي الحالتين، لم يرقَ تحرك بعض الداخل الخليجي نحو بغداد إلى مستويات ذات مغزى، إنْ بالمدلول الاقتصادي أو السياسي.
على صعيد ثالث، كان من تداعيات عزل العراق أن خسر اليمن حليفاً كان يهب له بعض التوازن في سياسته الإقليمية.
وعليه، تحركت صنعاء نحو طهران بحثاً عما فقدته. وقد حدث بعض الاقتراب، الذي جرى دعمه باتفاقات ثنائية. بيد أن هذا الاقتراب لم يصل إلى غاياته المنشودة. أو لنقل لم يُقدر له التتابع والاستمرار، واستتباعاً لم يرتدِ أي طابع استراتيجي. وعلى الرغم من ذلك، فإن مغزاه كان واضحاً في حسابات الجيوبوليتيك الإقليمي.
بعد 12 عاماً، جاء الغزو الأميركي للعراق ليمثل أحد النتاجات الكبرى لعاصفة الصحراء ذاتها، فقد غزت الولايات المتحدة عراقاً مجرداً من سلاحه، وفاقداً لمقومات الردع.
وهنا، دخل النظام الإقليمي الخليجي مرحلة جديدة على مستوى تفاعلاته الأمنية والسياسية، مرحلة تحركت فيها مواقع الفاعلين الرئيسيين في الإقليم، وتزايدت التفاعلات الصراعية فيه، وتعاظمت هواجس الفرقاء المحليين، كلّ وفق منظوره وحساباته الخاصة.
كان الحدث تطوراً مفصلياً بالمعايير السياسية، لكنه لم يكن كذلك في حسابات التوازن الاستراتيجي، فالبيئة الاستراتيجية للخليج لم تدخل مرحلة إعادة تعريف، وحافظ النظام الإقليمي الخليجي على وضعه كنظام فاقد للتوازن الاستراتيجي، على النحو الذي ظل عليه منذ العام 1991، حينما عُزل العراق وحُيّد استراتيجياً.
في المشهد الجديد، تعاظمت هواجس الداخل الخليجي حيال إيران، التي تنامى نفوذها في العراق، على نحو لم يتصوره أحد.
وفي الوقت نفسه، نظر بعض الداخل الخليجي إلى العراق باعتباره صاحب دور قادم، قد يلقي بظلاله على المعادلات السائدة في الإقليم.
ومن ناحية ثالثة، تزايدت هواجس طهران تجاه الولايات المتحدة، التي باتت قواتها منتشرة بمحاذاة رقعة جديدة من حدودها البرية، وذلك بموازاة وجودها منذ العام 1980 على مرمى حجر من شواطئها في الخليج وبحر العرب.
وفي بُعد آخر، أتت موجة العنف المذهبي في العراق لتضع الخليج على فوهة بركان. وكادت السنوات العجاف لهذا العنف أن تعصف بالتعايش الأهلي في عدد من دول الداخل الخليجي.
اليوم، غادرت غالبية القوات الأميركية العراق، وهي سوف تستكمل انسحابها هذا العام، وفقاً للجدول المقرر.
هذا العراق، الموصوف بالعراق الجديد، لن يُمثل نموذجاً عربياً لليابان أو كوريا الجنوبية، على صعيد روابطه الأمنية مع الولايات المتحدة.
إن دول المنطقة معنية باستنفاد معطيات الواقع العراقي الجديد، والدفع باتجاه دمج العراق في محيطه الإقليمي الخليجي، على نحو يعزز من فرص استقرار هذا المحيط، ويحد من عوامل التوتر فيه.
وعلى دول المنطقة أن تنهي الملفات العالقة مع الدولة العراقية، وفق تسويات تراعي ظروفها الانتقالية، الصعبة والاستثنائية.
إن هذه المنطقة هي اليوم أمام فرصة تاريخية لكسب العراق، وهو في طور صياغة تحالفاته الإقليمية والدولية. وإن لم تكسبه اليوم فقد لا تستطيع كسبه غداً، حين يبلور خياراته في اتجاه آخر، ويرسو عليها.
إن عقدين كاملين من تفاعلات ما بعد حرب الخليج الثانية لا بد أن يستوقفا دول المنطقة للحظة تأمل في المستقبل، وطرق العبور إلى شاطئ الأمان، ليحل التعايش والوئام الإقليمي بديلاً عن الصراع، الذي لا يكسب منه أحد..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.