«الجمارك»: 1,350 حالة ضبط ممنوعات في أسبوع    بدء الاختبارات الشفوية والعملية.. اليوم    مستقبل الإعلام في 2030    ضمك يعثر الهلال.. الخلود يقلبها على الرياض.. الاتفاق يعبر الأخدود    وزير الرياضة يجتمع برئيس الأولمبية الدولية    الاتحاد يتحضر للوحدة.. وينتظر ميتاي    سكة الحديد في القرن التاسع عشر    الشفافية والنرجسية    اختلافهم مطلوب    ثقافة "السواقة"    استدامة بيئية    في ذكرى التأسيس    أكثر من «800» عمل تشكيلي في أتيليه جدة    حسن الشهومي و«بلاي باك» يُرسيان معايير جديدة في صناعة الأفلام    التراث الثقافي والهوية    وصفة إلكترونية للأدوية المخدرة والمؤثرات العقلية    1% زيادة بتداولات الأسهم السعودية    الذهب يواصل مكاسبه للأسبوع السادس وسط تصاعد التوترات التجارية    74.670 مركبة تدخل وتغادر المملكة يوميا    كبير المدرجات السعودية    سبب اخفاق النصر في ضم لياو    حزب مودي يحقق فوزا ساحقا في انتخابات نيودلهي ويستعيد السلطة بعد 27 عاماً    تركي الفيصل.. رسالة تؤكد أن فلسطين في قلب الأمة    سوريا.. إلى أين ؟!    أزمة القطاع الصحي في غزة تتسبب في وفاة 100 طفل    الحرس الملكي يحتفل بتخريج دورات الأمن والحماية واختتام الدوري الرياضي    ماذا في جعبة وزارة التعليم ؟    عربات النقل الترددي وخطورتها على المشاة    في قطار الرياض !    موعد مباراة الهلال القادمة بعد التعادل مع ضمك    الأسطورة والمتعصبون    التسليم على الرغبات المتوحشة    الحكمة.. عقل يفهم العواطف    كريستيانو ابن الأربعين...!!    محمية تركي بن عبدالله تعقد لقاءً تعريفيًا مع المجتمع    أمانة المدينة تدشن تقاطع الأمير عبدالمجيد مع سعد بن خيثمة    مليار ريال سنويا حجم سوق الحرف السعودية    البودكاست السعودي يصل للعالمية بدخوله Guinness    مفتي المملكة ونائبه يتسلمان تقرير نشاط العلاقات العامة والإعلام    المملكة تسلم مصر وفلسطين حصتيهما من الهدي والأضاحي    تعزيز التطوع المجتمعي    انعقاد «الملتقى القرآني» لمديري وأئمة الشؤون الدينية بمكة المكرمة    لبنان أمام فجر جديد: حكومة مكتملة بعد جمود طويل    هل تتأثر هدنة غزة بتناقضات المعايير الإسرائيلية    بعد لقائه بالشرع.. أرياس: نضع الأساس لإغلاق ملف الأسلحة الكيميائية في سورية    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    إنطلاق مؤتمر السمنة السنوي الدولي الثامن بالخبر    1383 حالة ضبط للمنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    تخصصي تبوك يكرّم الموظفين والأقسام المميزة    الدكتوراه ل«السهلي»    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحركات الشارع العربي والصورة الإقليمية الجديدة
نشر في الحياة يوم 30 - 05 - 2011

خلال ثماني سنوات مضت، شهد إقليم الشرق الأوسط ثلاث محطات: (احتلال العراق عام 2003، حرب تموز (يوليو) 2006، وتحركات الشارع العربي عام2011) رسمت كل واحدة منها صورة جديدة غيّرت كثيراً في ملامح اللوحة الإقليمية، إن لم تقلب معالم الصورة السابقة. لم تكن حالة الشارع العربي في 2011 غير مسبوقة، من حيث مساهمة أحداث داخلية ضمن بلد، أو منطقة، في رسم لوحة إقليمية جديدة: أعطت ايران 1978- 1979 ذلك، ثم كانت المتغيرات الداخلية في بلدان أوروبا الشرقية والوسطى عام 1989 مؤدية ليس فقط إلى رسم صورة جديدة للإقليم وإنما للعالم، حين أعلنت انهيار توازن مؤتمر يالطا (شباط/ فبراير1945) الذي انبنت عليه صورة العالم الثنائي القطب، وأنذرت بتفكك الكيان السياسي لأحد القطبين بعد سنتين من ذلك الانهيار.
في أوضاع من هذا النوع، تكون المتغيرات الداخلية مؤدية إلى انقلابات جذرية في اللوحة الإقليمية، مثلما قادت إليه أدوار إيران في الإقليم أثناء عهد ما بعد الشاه، أو تكون مشجّعة على تسريع اتجاهات سابقة، كانت أبطأ أو أقل دينامية، كما حصل في مصر في 23 تموز (يوليو) 1952 من اتجاه نحو زعامة المنطقة العربية، كان كامناً في القاهرة عند تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945.
في الحالة العربية عام 2011 شيء من الحالتين المذكورتين: هناك استيقاظ في السياسة المصرية تجاه الإقليم، في مرحلة ما بعد مبارك، بدأ يدل على توجهات هي أقرب الى التغير الكبير، في مواضيع مثل (إسرائيل) و (حماس) و (السودان). في المقابل، ساهمت التطورات الداخلية العربية في تسريع اتجاه كان كامناً، أو بطيئاً، عند دول (مجلس التعاون الخليجي)، نحو تفعيل دورها الإقليمي الموحد في أحداث البحرين واليمن، وفي التعامل كمنظومة إقليمية واحدة تجاه إيران، الأمر الذي ساهم في تظهير الدور الإقليمي لدول (مجلس التعاون)، على العكس من سنوات2007-2010 حين كان ذلك الدور خافتاً أمام صعود القوة الإقليمية لكل من طهران وأنقرة. أيضاً، ساهمت تلك التطورات الداخلية العربية في تسريع دينامية الدور التركي الإقليمي حتى وصوله الى حدود التدخل العلني في قضايا مصر وليبيا وسورية، وهو الذي كان بادياً تناميه برعاية أميركية في مواجهة صعود القوة الإيرانية خلال مرحلة ما بعد حرب 2006، فيما ساعدت تلك التطورات العربية على تسريع تراجعات إيرانية في الدور الإقليمي فبدأت معالم ضعفه بالظهور خلال عامي 2009 و2010، لتكون تلك التراجعات ملموسة عام 2011 في موضوعي (البحرين) و(حماس)، على العكس من قدرة طهران على منع نكسة اقليمية لقوتها في عام2010، حين استطاعت إفشال تشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة أياد علاوي عقب انتخابات برلمان آذار (مارس) 2010، كانت ستقلقل النفوذ الإيراني المكتسب في بلاد الرافدين عقب سقوط حكم صدام حسين.
هنا، أدت تداعيات هذه التحركات في الشارع العربي إلى إحداث نتائج مباشرة: تباعد سوري - تركي، ومثيل له بين الدوحة ودمشق، اقتراب (حماس) من القاهرة وابتعاد نسبي لها عن المحور السوري - الإيراني. أيضاً، أدى ذلك إلى اختفاء عوامل، مثل الدور الليبي الفاعل في قضية دارفور، خصوصاًَ مع سحب الغطاء التشادي عن (حركة العدل والمساواة) في ربيع 2010، حيث تولى القذافي ذلك منذ ذلك الحين. في هذا الصدد، لا يمكن عزل تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي عن تغير حصل بالقياس إلى ظروف التكليف خلال الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، حين أدى اقتراب دمشق من الرياض في موضوع (البحرين)، ثم موقف السعودية الداعم للسلطة السورية أمام التطورات الداخلية، الى إنشاء صورة سعودية - سورية مختلفة عن تلك التي كانت يوم إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.
على صعيد أوسع، ستؤدي التطورات الداخلية إلى تأثيرات متوسطة وبعيدة المدى إقليمياً: ستكون عملية تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي أكثر تعقيداً مع تحول الشارع العربي إلى قوة ملموسة في السياسة العربية، وهو وضع مختلف جذرياً عما كان عليه، مثلاً، الرئيس أنور السادات مع تل أبيب، الشيء الذي يمكن تلمس وجود إدراك له في مرحلة ما بعد المتغيرات المصرية (والعربية) عند المحللين وصانعي القرار الإسرائيليين، وربما الأميركيين، أيضاً، على الأقل من خلال مؤشر استقالة جورج ميتشل أخيراً. في جانب آخر، أدى التقارب السعودي - السوري المستجد، والمصري - السوري بمرحلة ما بعد مبارك، إلى ابتعاد نسبي لدمشق عن طهران، بعد أن أدت التطورات العربية الداخلية إلى إضعاف الدور الإيراني الإقليمي من خلال ممرات (البحرين) و(اليمن) و(حماس)، كما أن اقتراب الرياض ودمشق سينعكس إضعافاً للدور الإيراني في لبنان والعراق: يمكن هذه التطورات العربية أن تؤدي إلى مسارات تقود إلى إحياء ثالوث (الرياض- دمشق- القاهرة)، الذي كان القوة الإقليمية الأكثر فاعلية في فترتي1971-1977 و1990-2000، وهو ما سيضع سدوداً عربية أمام صعود القوتين الاقليميتين لطهران وأنقرة، الذي كان متزامناً في السنوات القليلة الماضية مع حالة فراغ القوة عند العرب.
في المقابل، فإن هذه الصورة الإقليمية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بفعل تطورات الشارع العربي، ستفرض على القوى الدولية الفاعلة (الغرب الأميركي ثم الأوروبي) والإقليمية المؤثرة (طهران وأنقرة) مقاربات وسياسات جديدة مغايرة أكثر حذراً وأقل هجومية تجاه العالم العربي، والتي وصل بعضها، مثل إيران، الى النفوذ والتأثير والتحريك في بعض الأوضاع الداخلية العربية، فيما امتلك (المثال التركي) نوعاً من الجاذبية الفكرية - السياسية - الاقتصادية عند بعض العرب في الأنظمة والمعارضات والمجتمعات. هنا، ربما ستكون عملية صعود قوة المجتمعات إلى سطح السياسة العربية مؤدية إلى تخفيف قوة جاذبية النماذج السياسية الدولية، والإقليمية، في الحياة السياسية العربية، وإلى إضعاف التأثيرات الخارجية في مجريات السياسة المحلية في كل بلد عربي.
 * كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.