غالباً لا نعطي التوجيه اهتماماً كافياً في مسيرة حياتنا، بينما تفوقت الدول المتقدمة علينا لأننا لم ندرك نتائجه الباهرة في تغيير الفرد بل إن هناك الكثير ممن وصفوا بأنهم عبء على المجتمع في وقت ما وبعد توجيههم إلى الطريق الصحيح أصبحوا منتجين وبناءين في حياتهم، فالتوجيه عملية واعية ومخططة تتسم بالاتساع والشمولية تهدف إلى مساعدة وتشجيع الفرد وإرشاده إلى الطريق الصحيح الذي يعرف من خلاله نفسه ويفهم قدراته وإمكانياته ليستفيد منها بأكبر قدر ممكن وتبدأ من الصفر وتستمر حتى نهاية العمر. وتعتبر أهم مراحل التوجيه تلك التي تبدأ من الطفولة حيث أثبتت الدراسات ان ما لا يقل عن نسبة 70٪ من عناصر بناء شخصية الإنسان تتشكل عند تمام سن السابعة من عمره ومجتمعنا يفتقد أجبديات التعامل مع تلك المرحلة من العمر، فقل ان تجد من يعامل الصغار أو يوجههم نحو تكوين وبناء شخصياتهم بل ذهب البعض إلى تهميش الأطفال تهميشاً كاملاً لا يمنحهم من خلال تعامله معهم إلاّ ما يتعلق بالأمور المادية كالمأكل والملبس دون ان يعطي للتوجيه أي اهتمام متناسياً ان الطفل سيتعامل مع الآخرين بنفس الأسلوب الذي تم التعامل به معه، وان كل ما يشاهده الطفل ويسمعه خلال يومه فهو مؤثر في شخصيته وسلوكه بل يعتبر من أساسيات بناء الشخصية كما ان سلوك بعض الآباء أثناء قيامهم ببعض الأعمال والتصرفات السيئة أمام أطفالهم باعتقادهم أنهم لم يدركوها يعد توجيهاً سلبياً وغير مباشر لهؤلاء الأطفال فيما يسود الاعتقاد بأن الأطفال لا يعلمون بما نقوم به بل على العكس فالطفل يعلم كامل العلم بما يحدث حوله ويظهر خلاف ذلك. أما مرحلة المراهقة فلم نعطها حقها وأنه من المشاهد حالياً ان الشباب لا يحظى بأي اهتمام من المجتمع ،والإنسان بطبعه يسعد بل يشعر بالنشوة والافتخار عندما يكون محل اهتمام ممن حوله والقلة منا من تفعل ذلك والغالبية العظمى من المجتمع لا يشعر أبناءه بالاهتمام بل يذهب البعض إلى تصغيرهم فمثلاً عندما ينادي أبناءه يستخدم التصغير في الأسماء أو الكنية المعيبة والتي تبقى أثراً سلبياً في نفسه، وبما ان المراهق لديه طاقة هائلة لا يعرف أين يفرغها لذا ففي حالة عدم استغلال هذه الطاقة فيما ينفعه فلا محالة بأنه عندما يعطى اهتماماً خارج البيت سوف ينجرف إليه سواء كان من قبل أصدقاء السوء بالانخراط معهم في طريق الفساد والمخدرات وغيرها أو من جانب أصحاب الفكر الضال والأعمال الارهابية المدمرة للدين والوطن، لذا فإن للتوجيه في هذه المرحلة دوراً كبيراً في تكوين شخصيات الشباب الذين هم عماد المستقبل ورجال الغد، فالشباب لابد ان يتم معاملتهم بأسلوب مختلف ،فقد اعتاد مجتمعنا على لغة الأمر والنهي.. افعل أو لا تفعل.. ولا نعطي أي دور لعملية المناقشة والاقناع، كما ان المجتمع المحيط به له تأثير على توجه الفرد الفكري والعملي فخذ شريحة من العوائل تجد ان نسبة كبيرة في العائلة عملها متشابه وسلوكها متشابه لأن الفرد ينظر إلى من حوله ويقلده، ومن المؤسف أيضاً اتجاه كثير من الآباء إلى عدم الرضاء عن أبنائهم لأنهم لم يحذوا حذوه في تصرفاته وسلوكياته رغم الفارق بينهم من اختلاف الجيل وغيرها بل ذهب الكثير من الآباء إلى ترك أبنائهم من دون إرشاد وعند فشلهم تجد أنهم يلقون عليهم اللوم الكامل في عدم نجاحهم كما ان هناك من الآباء قد أفاد البعيد ولم يفد أبناءه لانشغاله عنهم لذا نحن نتقن عملية النقد ولكن لا نعرف أساسيات التوجيه. أما عند وصول الإنسان إلى النضج والكبر فلا محالة من ان طفولته وشبابه سترسم جزءا كبيرا من شخصيته وسلوكه وقد يعتقد البعض أنه لا يحتاج إلى توجيه في هذه المرحلة وهذا خطأ واضح لأن الإنسان عندما يكبر سيكون هو القائد الذي لابد ان يتوفر فيه العلم والادراك الذي يقود من خلاله دفة السفينة ولن يحصل ذلك الا بالدراسة وأخذ الدورات التدريبية والمحاضرات والقراءة سعياً إلى تطوير الذات والقدرات والإمكانيات لكي يكون قدوة حسنة يحتذى بها. وختاماً يتضح جلياً ان التوجيه أمر مهم جداً ويرتقي بالفرد والمجتمع إلى الأمام ولكن لابد ان يكون التوجيه موافقاً لما يرضي الله سبحانه وتعالى وان موجهنا الأول هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فنأخذ ما أمرنا به ونجتنب ما نهانا عنه وحقاً لا نستطيع الا ان نقول بأن التوجيه الايجابي مؤثر رئيس في اختيار المسار الأمثل في طريق الحياة وان هناك الكثير ممن لم يدركوا أنهم في الطريق الخاطئ الا في وقت متأخر من حياتهم وهناك أشخاص لو تم توجيههم في وقت سابق لكانوا في وضع أفضل مما هم عليه الآن بكثير، كما إننا بحاجة إلى تفعيل دور التوجيه بشكل كبير في حياتنا والتي أجزم بإذن الله ان المجتمع سيتغير إلى الأفضل لا محالة بل نطمح ان نكون في مصاف الدول المتقدمة والله اسأل ان يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. * رجل أعمال