تلقى مجلس الشورى مؤخراً تقريراً حول ارتفاع عدد الجرائم الأخلاقية في المجتمع السعودي، وقد عكس هذا التقرير تبايناً في الرؤى حول دقة الأرقام المنشورة، وعدم تفصيل الجرائم الواردة، وحجم الظاهرة في المجتمع، حيث كان التقرير شاملاً لكافة المخالفات المحررة تجاه الضبطيات المرفوعة لهيئة التحقيق والادعاء العام صغيرةً كانت أم كبيرة، ومنها ما لا يطلق عليه جريمة أخلاقية بالمفهوم الشرعي، بل إن بعضها لا يصل إلى درجة أن يوصف كخلل في السلوك، بل هو أقرب ما يكون إلى نواتج وإفرازات للظواهر النفسية والتغيرات الفسيولوجية للشباب والمراهقين. ونظراً للآثار السلبية التي قد تترتب على هذا التقرير، من خلال تكريس صورة ذهنية سيئة تجاه مجتمعنا السعودي لدى المراقبين والمحللين، وإعطاء إيحاءات بوجود خللٍ وسوءٍ خلقي في مجتمعنا بينما الواقع يؤكد بأن هذا المجتمع في معظمه مجتمع متدين ومحافظ وأقل انحرافاً من المجتمعات الأخرى. ولكن ما يبعث على الطمأنينة أن الجهة الرافعة لهذا التقرير كانت هيئة التحقيق والادعاء العام، ونظراً لأن هذه الجهة تعتبر جهة رافعة للقضايا وليست جهة ناظرة ومصدرة للأحكام، فإن ذلك كان دافعاً للتقليل من هذا التقرير أو الاعتداد به أو جعله معياراً واقعياً لتصوير سلوك مجتمعنا أخلاقياً، أو راصداً لحجم ونوع تلك الجرائم الأخلاقية في مجتمعنا وهذه الملاحظة ربما تكون الدليل على عدم دقة هذا التقرير. الحكم الشرعي قطعي الدلالة هو من يعتد به في عدد القضايا الأخلاقية وليس جهات القبض تقرير هيئة التحقيق في البداية قال "د. المشيقح": إن تقرير هيئة الرقابة والتحقيق حول زيادة القضايا الأخلاقية في المجتمع يحتاج إلى وقفة متأنية، ومناقشة هادئة من جميع الأطراف، مشيراً إلى أنه حينما نتطرق إلى القضايا الأخلاقية في المجتمع السعودي خاصة تلك التي رفعت مؤخراً عبر تقرير إلى مقام مجلس الشورى أن ما تضمنه التقرير لا يعكس الصورة الحقيقية، وبالتالي نود أن نطمئن الشارع ونطمئن المسؤولين والمتابعين أن التقرير لا يعكس الصورة للجرائم الأخلاقية؛ لسبب بسيط أننا يجب في البداية أن نقنن ما هي الجرائم الأخلاقية، وحين نقننها أجزم أن ما لا يقل عن 60% سوف يخرج من هذا التقييم، وحينما تخرج من هذا التقييم سوف نجد أننا بخير وأننا مجتمع مثالي في أغلبه ومجتمع كما نؤكد دائماً أن له خصوصيته. وأضاف: "أنا أجزم أن الكثير من أفراد مجتمعنا مهما كانت سلوكياتهم وما فيها من تباعد، إلاّ أن هذا الدين يؤثر على تلك السلوكيات، فالخلل ليس في هؤلاء الأفراد بقدر ما هو بتلك المغالطات بالنسبة للأرقام، وهي أرقام بالفعل مخيفة حينما تأتي بهذا الشكل"، داعياً هيئة التحقيق والإدعاء العام إلى الإفصاح عن تفاصيل هذا التقرير، ومجلس الشورى إلى إعطاء تصور كامل عن هذه الجرائم من حيث ماهيتها وعن جزئيتها التفصيلية، وبالتالي نستطيع أن نحكم، أما أن نعطيها جزافاً فإن ذلك سوف يكون محبطا ويضر بسمعة المجتمع"، مشيراً إلى أن هذا التقرير يحتاج بكل تأكيد إلى إعادة دراسة؛ تكون متأنية من هيئة التحقيق والإدعاء العام، وبعدها سوف يتم شطب أرقام كبيرة مما ورد فيه!. د. المشيقح: التقرير جمع المخالفات وسماها جرائم وهنا برزت «مشكلة المفهوم» وليس العدد الجريمة الأخلاقية ويرى "د.السواجي" أهمية تعريف الجريمة الأخلاقية ليتبين أن الكثير مما أخذ به التقرير لا يصح إدراجه تحت الجريمة الأخلاقية، مؤكداً على أن هناك العديد من الدعاوى التي تقدم لكنها لا تثبت في واقع الأمر، بل هي دعوى تحتاج إلى الإثبات، وهو المعول عليه شرعاً. وقال: "إن الأحكام الثابتة هي التي يندرج تحتها العدد؛ لذا فإن الطرح دون التفصيل بنوع الجريمة يعتبر طرح لا يصح ولا يستقيم لمثل هذه الأمور، ولا شك أن الجريمة الأخلاقية تعد إخلالاً بالمجتمع، وبالتالي يجب أن نتحرى الدقة في تعريف الجريمة؛ لينتج لدينا حصيلة هي بالتأكيد أقل مما ورد في هذا التقرير"، موضحاً أن تصنيف الجرائم الأخلاقية يكون وفق التفريق بين الجرائم الأخلاقية والإنحراف في السلوك. تقرير محبط وأوضح "د. أبا الخيل" أنه حينما نتحدث عن الجريمة، أو حينما نقف موقفا من هذا التقرير؛ فإنه لا يعني إنكار الجريمة في المجتمع السعودي؛ فالجريمة موجودة منذ عهد آدم عليه السلام حتى في عهد النبوة وقعت مثل هذه الجرائم، ولهذا نحن لا ندعي العصمة لهذا المجتمع، بل هو مجتمع يوجد فيه الإنسان الصالح والإنسان الطالح، وفيه المتناقضات الكثيرة، لكنه مع ذلك له خصوصيته التي لا يمكن إنكارها بحكم أنه بلد الحرمين الشريفين وموئل الرسالة ودستوره هو كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولهذا بالطبع، بل يقيناً أنه سيكون هذا المجتمع بحكم توفر هذه العوامل التي ليست موجودة في غيره من الدول أنه سيكون مجتمعا محافظا إلى درجة كبيرة، ومجتمع متدين بطبعه. هذه قضية أولى لابد من التأكيد عليها، والأمر الثاني أنه لابد من تحرير مصطلح الجريمة حتى يمكن فرز الجريمة بالمعنى الصحيح للجريمة، وما سواها مما يسمى وصفاً بالمعنى العامي جريمة، لكنه لا يلتحق بالمعنى الصحيح للجريمة، ولهذا لابد من تحرير هذا المفهوم. وقال: "لو أجرينا عملية فرز للجريمة بمعناها الصحيح إلى الجريمة التي لا يمكن أن تسمي بهذا الاسم لأمكن التخلص من كم كبير من الجرائم، ولهذا لا بد من تحرير المصطلحات، وإن أكثر إشكالية تواجهنا اليوم هي مشكلة المصطلحات، فالمصطلح أحياناً إذا لم يحرر فربما يدخل تحته جميع الأفراد التى ليست داخله تحته لكنها في الحقيقة هي بعيدة عنه، وربما أحياناً تحمل في داخلها تناقضات لهذا المصطلح وهذه إشكالية المصطلحات". وأضاف:" إذا أخذنا هذا التقرير بمصداقية كاملة وآمنا بأن كل ما ورد فيه من معلومات صحيحة ودقيقة إلى حد كبير، فهذا بكل تأكيد سوف يبعث على الإحباط في مشروعاتنا الدعوية والعلمية والاجتماعية والتربوية وكل المؤسسات الحكومية التي تقوم بالتربية والتوعية والتوجيه، وتقوم بعملية تحصين الأجيال حينما تقرأ هذا التقرير، ولا شك أنه سيبعث على الإحباط، وسوف يعود بنا إلى المربع الأول!. د. أبالخيل: لا تحولوا «سلوك الشباب» الخاطئ إلى جريمة يحاكمون عليها وتكون ردة فعلهم ناقمة! وصف الجريمة وحول الوصف الفعلي للجريمة الأخلاقية والتمييز بينها وبين الخلل في السلوك، قال "د. أبا الخيل": إن مصطلح الجريمة يجب أن يحرر من عدة نواحي، أولاً أن مصطلح الجريمة من حيث إن يكون فيه نوع من التبادل بين شخصين أو يكون هناك أكثر من طرف في الجريمة، كما أنه يجب أن يكون هناك طرف متضرر من الجريمة تضرراً يقينياً وليس تضرراً متوهماً، وبهذا التحرير سوف نتخلص من كم كثير من الجرائم أو التي تدخل ضمن نطاق الجريمة، فإذا حررنا هذا المصطلح على هذا النحو أي جعلناه بين شخصين ويكون أحد الطرفين تعرض لضرر سواءً في مسائل الضرورات مثل حفظ المال وحفظ الدين وحفظ العرض وحفظ العقل بحيث إذا وصل إلى إحدى هذه الضرورات ضرر متيقن فتسمى جريمة، لكن إذا لم يصل إلاّ إلى شيء من التوهم أو مجرد مقدمات لهذا الأمر فإنه لا يعد جريمة في الحقيقة. وأضاف: إن السلوك الخاطئ وبعض الأخطاء من بعض الشباب التي ليس وراءها دافع للجريمة؛ إنما هي أحياناً مجرد دافع لفت النظر، أو رد الاعتبار، أو البحث عن الذات، أو غيرها، ولكن ليس الدافع الحقيقي له الجريمة، إنما الدافع الحقيقي أمور أخرى!، ولذلك لا نحول "سلوك الشباب" الخاطئ إلى جريمة يحاكمون عليها وتكون ردة فعلهم ناقمة على المجتمع ومؤسساته!. تفاوت التطبيق واستدرك"د.المشيقح"، قائلاً: "أود هنا أن لا يتصور القارئ أننا نحاول أن نتحدث عن مجتمعنا، ونحاول أن نؤكد أنه مجتمع مثال ومحافظ بالعموم، بل إنه لا يخلو من الأخطاء، لكن أود أن أؤكد وأشيراً هنا إلى أن هناك تفاوتا في التعامل مع المخالفات السلوكية من مدينة إلى أخرى بالمملكة"، مشيراً إلى ما يُعتبر جريمة فظيعة ويجب أن يحاسب عليها الشخص مع ما يلازمها من إخلال في سمعته أمام أسرته ومجتمعه تجدها في منطقة أخرى تمر مرور الكرام، وذلك راجع إلى أن الجريمة لم تحدد، إضافة إلى التفاوت في تعاملنا مع مثل هذه القضايا ونظرتنا الاجتماعية لها. الفرق بين الجريمة والسلوك وقال "د.المشيقح": إن المملكة فيها جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يعتبر الوحيد بالعالم، وهذه ميزة تتميز بها المملكة ونسأل الله أن يديمها، إلاّ أن هناك ضوابط للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، منها أن يكون عالماً بما يأمر به، وعالماً بما ينهى عنه، عدلاً بما يأمر به، وعدلاً بما ينهى عنه، وأن لا ينتصر لنفسه، وأن يتصف بالحكمة واللطف واللين، ومن هذا المنطلق تجد أنه حينما يقبض بعض الأشخاص على شخص هو الذي يقرر هذه القضية ويجعلها جريمة، أو أنه يبسطها لتكون درساً للمقبوض علية وفرصة للتوبيخ دون أن تسجل عليه أي جريمة؛ لذا بعض الناس ينتصر لنفسه وهذا الشيء قد أكد عليه الإمام أحمد وهو أن على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن لا ينتصر لنفسه، وهنا أيضاً نقولها لعضو هيئة التحقيق الإدعاء العام. قطعية الحكم وقال" د.السواجي" إن هذا التقرير الذي تم رفعه إلى مجلس الشورى حول الجريمة الأخلاقية في المجتمع السعودي يحتاج إلى إعادة نظر؛ كون أن التعريف الصالح للجريمة هو كل فعل خالف الشرع والنظام وثبت بحكم مكتسب القطعية؛ لأنه ليست كل دعوى تقدم دعوى صحيحة سواءً مثل المدعي العام الحق العام فيها أو المدعي الخاص أدعى بحقه، فلابد أن يكتسب الحكم القطعية، والقطعية كما هو معروف تكتسب بثلاثة أمور: أن يقرر طرفا الدعوى الاقتناع بالحكم، أو أن تمضي المدة القانونية، أو أن يصدق الحكم من محكمة الاستئناف؛ وعند إذٍ يكون الحكم صالحاً لإدراجه تحت الجريمة الأخلاقية، أما أن ينظر إلى العدد ودخوله دون أن يكون الحكم مكتسب القطعية فهذا يعتبر من الإدعاء، والإدعاء لا يكون إلا بدليل ثابت، مؤكداً على أن الجريمة الأخلاقية -بالنظر لظاهر المجتمع ولله الحمد- تكاد تكون عند مقارنتها بالمجتمع الغربي قليلة جداً،وهذا شيء ملموس. رد نظامي ويضيف "د.المشيقح" إذا كانت هيئة التحقيق والإدعاء العام عندها مصطلح للجريمة وضعته وأعطت هذه الأرقام وفق مصطلح دقيق، فأنا أقول يجب أن نعمل جميعاً على قدم وساق لمعالجة هذا الوضع. بينما يؤكد "د.السواجي" ضرورة وجود مصطلح للجريمة يستبعد من خلاله ما ورد في هذا التقرير مما سمي تسمية بالجريمة الأخلاقية وهو ليس صحيحاً، حيث أن المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية قد أشارت إلى أنه لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلاّ على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً ونظاماً، وبعد ثبوت إدانته بعد محاكمة تجرى وفقاً للوجه الشرعي؛ ولذا يتبين أن المادة اشترطت ثلاثة شروط أولاً أن يكون على أمر محظور معاقب عليه شرعاً ونظاماً، وثانياً أن تكون المحاكمة وفق الشرع والنظام، وثالثاً أن يكتسب الحكم القطعية كما هو معروف، مشيراً إلى أن عدا ذلك يعتبر غير ثابت ولا يندرج تحت العدد الوارد في التقرير. د. السواجي: نظام الإجراءات الجزائية غير شامل ويحتاج إلى إعادة نظر لمساعدة «القضاة» تقرير مؤسف وبين "د.الرميح" إن ارتفاع أعداد الجريمة الأخلاقية في التقرير ليس نتيجة ارتفاع فعلي في الجريمة الأخلاقية بحد ذاتها، إنما هي نتيجة ارتفاع في أعداد البلاغات أو ردود أفعال تؤخذ بسطحية ثم تكتب. وقال: "إن هناك إشكالية في تعريف الجريمة الأخلاقية، وبالتالي لابد من تعريف واضح للجريمة الأخلاقية، وهذا لا يعني براءة لتلك التصرفات لكنها من المؤكد ليست جريمة أخلاقية؛ إنما هي سلوكيات أخلاقية خاطئة يعاقب مقترفها إذا كان عاقلاً مدركاً". وأضاف:" إنه من المؤسف أن هذا التقرير قام بتجميع تلك المخالفات وسماها جرائم أخلاقية، ومن هنا أصبح لدينا مشكلة بالمفهوم وليس بعدد الجرائم"، مشيراً إلى أنه ينتج عن ذلك تخويف للناس من مجتمعنا وترقب من المتابعين في الخارج. أهمية التقنين وقال "د.السواجي": إن التقنين مهم جداً ليتبين نوع الجريمة، كما يجب أن تكون الجريمة مربوطة بصدور الأحكام، كما أن دخول الدعاوى للشرطة ومن ثم إحالتها إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام تسمى بالنظام الوضعي شكاية، وربما تكون دعوى كيدية، وربما لها أغرض أخرى وربما تكون غير صحيحة ولكن ثباتها شرعاً هو المعول عليه. د. الرميح: «قاعدة سد الذرائع» يجب أن لا تجني علينا بإثارة الشك والريبة بين أفراد المجتمع سوء الظن وحول دور مبدأ قاعدة سد الذرائع في حياتنا اليومية وأثرها في ارتفاع وتيرة الشك تجاه سلوكيات المجتمع، أوضح "د.أبالخيل" إن قاعدة سد الذرائع هي قاعدة معتبرة في الشريعة وهي مسألة إجماع عند العلماء من حيث أصل القاعدة، لكن الإشكال في تطبيقات القاعدة؛ فالعلماء حينما تحدثوا عن قاعدة سد الذرائع قالوا أنها تطبق في المصالح الراجحة أو في المفاسد الراجحة؛ لكن لا يمكن أن نطبقها في المصالح المتوهمة؛ كأن نقول إنه لا جوز بيع العنب حتى لا يتخذ خمراً. وقال:"إننا حينما نوسع دائرة تطبيقات القاعدة حتى تصل أحياناً إلى أن تضيق دائرة المباح وتجعل دائرة المباح أكثر من دائرة الحرام؛ رغم أن دائرة المباح كما هو معروف في الشريعة هي أوسع الدوائر، أما دائرة الحرام فهي أقل وهي الاستثناء ودائرة المباح هي الأصل، وحينما نوسع هذه الدائرة بغير وعي وبغير تطبيق أصولي صحيح للقاعدة فنحن حين إذ سنتجاوز إلى باحة المباح لنضع فيها شيئا من الحرام"، مؤكداً على أن تحريم الحلال مثل تحليل الحرام لا فرق بينهما وكلاهما وصفهما الله عز وجل بأنه افتراء عليه بالكذب. وأضاف:"إن لدينا رؤية فيها نوع من التشاؤم للمجتمع، وأحياناً تغليب سوء الظن على حسن الظن مع مجتمع محافظ ومتدين بالفطرة، كما أن لدينا مشكلة في قضية الجرائم الأخلاقية من أنها في الغالب أنها تدور على الشباب، ولهذا نقول إن لدينا مشكلة في التعاطي مع الشباب بمعنى أننا نعاملهم أحياناً بسوء الظن أو بنظرة مرتابة، وأن الأصل في الشباب حدوث الجريمة حتى يثبت غيره وهذه إشكالية". سد الذرائع بينما يرى" د.الرميح" أن قاعدة سد الذرائع يجب أن لا تجني علينا من خلال إثارة الشك والريبة في الناس في مجتمعنا المعروف عنه أنه مجتمع خير وعفيف، ولكن للأسف الشديد بعض الناس يصطادون في الماء العكر. وقال:"لن نستطيع أن نوجد مجتمعا ملائكيا مهما عملنا، حيث سيظل المجتمع هو المجتمع والانحرافات سوف تبقى كما هي، ولكن من الخطأ تضخيم الصورة من خلال تهويل الأرقام؛ بهدف حث المجتمع كي يرجع إلى الفضيلة أو يزداد تمسكاً بها، وهذا من الخطاء، وبالتالي يجب أن نكون منطقيين في الأرقام التي يتم نشرها عن القضايا الأخلاقية، وأن لا ننشر أرقام تخيف المجتمع وإذا نشرناها يجب أن نقوم بتفصيلها وتصنيفها". التحري والدقة وفي إطار ما تشكله الجريمة الأخلاقية من وصمة عار ملازمة للمنسوبة إليه داخل أسرته والمجتمع، مما يتطلب من جهات القبض مستوى رفيعا من التحري والدقة قبل إلصاقها بالمتهم، قال"د.الرميح": إن مشكلة القضية الأخلاقية أنها في الغالب لا تتعدى طرفين، ونشرها ليس مصيبة على الشخص، بل تكون مأساة أحياناً على الأسرة كلها؛ ولذلك كثير من الناس لا يبلغون عن الجرائم الأخلاقية، وكثير من المؤسسات تدفن الجريمة الأخلاقية، أي لا تحب الإبلاغ عنها ولكن يجب أن نعترف أيضاً أن الغالبية العظمى للقضايا الأخلاقية عندنا هي أخطاء سلوكية، وأن التحري فيها يتطلب تصديق المدعي في أكثر الأحوال نظراً لكونها تعتمد السرية والحذر. تفاوت بين القبض والتحقيق وفي إطار الملاحظ من تفاوت بين تقارير جهات القبض وجهات التحقيق؛ بدليل أن بعض تلك القضايا الأخلاقية لا ترقى إلى مستوى جريمة، بل تحصل على البراءة أحياناً، أوضح "د.المشيقح": هناك ما هو أكثر من ذلك؛ وهو تفاوت أحكام القضاة، بينما يرى "د. السواجي" أن تقنين الأحكام في نظام الإجراءات الجزائية حينما يُنظر إلى الفعل والعقوبة؛ تجد أن هذه المواد قريبة جداً، ولو جعل نظام الإجراءات الجزائية أشمل وأعم لجعل القاضي يسير وفق ذلك؛ أي أن شمول نظام الإجراءات الجزائية لبعض الأحداث مهم جداً، حيث إنه قاصر على بعضها، كما أن أصحاب الفضيلة نظرهم يكون على الاجتهاد، رغم أن الاجتهاد مصدر، ولكن التقنين له دوره في مساعدة القاضي على استنباط الحكام وأن تكون صائبة لمن قام بالفعل. وعن دور نظام الإجراءات الجزائية في معالجة القضايا الأخلاقية، قال"د. السواجي": إن نظام الإجراءات الجزائية غير شامل، ويحتاج إلى إعادة نظر لمساعدة القضاة في استصدار الأحكام وفي مجانبتها للصواب وعدم الاختلاف في الأحكام. كيف نصنف «المعاكسات» جريمة أم سلوك يحتاج إلى تصويب؟ وما شروط «القضية الأخلاقية»؟ حلول ومقترحات وقال "د.الرميح" إنه من أجل تقليل هذه الأرقام غير الواقعية في تقارير الجرائم الأخلاقية؛ فإن الأمر يتطلب إيجاد صف ثان بين هيئة التحقيق والإدعاء العام وبين المحاكم على شكل قاض أسري، بحيث ينهي الكثير من القضايا قبل أن تصل إلى القضاء الرسمي، مؤكداً على أنه ليس في صالح الطرفين المتخاصمين صدور حكم شرعي بحقهما يؤدي إلى التأثير على سمعتهما؛ ما لم توجد جريمة كاملة الأركان ومثبتة شرعاً فإنه من الواجب أن لا تدخل ضمن تلك القضايا المحالة مباشرة إلى القضاء الرسمي. وأكد "د. المشيقح" على أنه يجب أن تلزم هيئة التحقيق والإدعاء العام بأن لا ترفع إلى مجلس الشورى أي قضية ما لم تثبت فعلاً أنها أخلاقية وأتخذ الحكم الشرعي فيها مائة بالمائة، فيما أكد "د.السواجي" أن الرفع من غير المحاكم يعتبر رفعاً غير صحيح؛ لأن الدعوى لابد أن تكون ثابتة شرعاً وثبات الدعوى لابد أن يكون داخل أروقة المحكمة، وبالتالي لا يصدر تقرير من خارج المحاكم ويعتد به؛ لأن هذا طور الشكاية أو الشكوى أو النظر القابل للرد، سواءً لأعمال الدعوى أو ردها؛ فلذلك المعول عليه ما يصدر من المحاكم وهو مكتسب القطعية لا ما يكون من جهات الضبط أو من هيئة التحقيق أو من غيرها، حيث أنه يكون قابلا للإثبات أو النفي. وقال "د.أبالخيل" إن هذا التقرير مقلق في المجتمع؛ إذا اعتبرنا أن الجريمة على هذا النوع، وهذا التفشي في مجتمعنا، وأن الجريمة الأخلاقية سور أو حصن يمكن تجاوزه بسهولة خاصة أن مجتمعنا مجتمع محافظ ومتدين. وأضاف "د.السواجي" أن من الآثار السلبية لهذا التقرير أنه صور المجتمع السعودي بأنه "مجتمع شهواني" غير متقيد بضوابط، إلى جانب التحريض على نفور المجتمع الخارجي من المجتمع السعودي، واهتزاز الدور الريادي الذي تقوم به المملكة حينما يتم إبراز هذه الأمور، وإتاحة الفرصة للمغرضين للنيل من المملكة عن طريق هذا التقرير، والنيل من الشريعة الإسلامية كون المملكة المثال المحتذى في تطبيق الشريعة. وأشار "د.الرميح" إلى أن هذا التقرير يغالط واقع الإنسان السعودي الذي عرف عنه أنه في أغلبه مجتمع مثالي، ومحافظ بدرجة كبيرة، فكيف نقلب الصورة المثالية للإنسان السعودي رجل أو امرأة ونصفه بأنه إنسان شهواني؟. وقال: "إن هذا التقرير لم يكن دقيقاً"، متمنياً إعادة هذا التقرير إلى الجهة التي أصدرته ليطلب منها تحديد معني الجريمة الأخلاقية التي يقصدونها في هذا التقرير وتفنيطها على أنواعها. وأضاف "د.السواجي" أن الجريمة الأخلاقية تثبت بدليل شرعي، وأن الإنسان المسلم الأصل فيه البراءة ما لم يثبت غير ذلك بدليل قطعي واضح الدلالة، والأصل أيضاً أن الدليل الظني لا يرتقي إلى بناء الحكم عليه ويعتبر من الحيثيات التي لا يبنى عليها الحكم، موضحاً بما أن هيئة التحقيق والإدعاء العام هي الجهة التي قامت برفع التقرير إلى مجلس الشورى فهذا دليل على عدم صحة التقرير؛ لأن هيئة التحقيق طورها التحقيق وليس إثبات الأحكام. نحتاج إلى تصنيف المعاكسات على أنها جريمة أم سلوك يحتاج إلى تصويب مبدأ الستر.. «لحيته تقطر خمراً»! يكفي التفتيش على «الجوالات» بطريقة استفزازية! انتقد «د. المشيقح» -خلال مداخلته في الندوة- بعض جهات القبض التي تبالغ في إجراءات وممارسة القبض على الأشخاص، وقال: «حينما يتم القبض على شخص ما؛ فإن أول ما يتم البحث عنه هو جواله، وتفتيش أوراقه الخاصة؛ بحثاً عن الدليل بأسلوب غير مقبول، ويمثّل تجاوزاً لخصوصية الآخرين، متسائلاً: لماذا يتم البحث في خصوصيات الآخرين بهذه الطريقة الاستفزازية؟. واستدل في حديثه على الشخص الذي جيء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت لحيته تقطر خمراً، فقال الرسول: «هلا سترتم على صاحبكم»؟. وقال: «لو أننا تعاملنا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في الستر على الناس؛ لما جاءتنا هذه الأرقام المأهولة والمخيفة في تقرير هيئة التحقيق والادعاء العام»، مطالباً التفريق بين إنسان قُبض عليه في خلوة مع امرأة وعمل بها الزنا وهذه جريمة، وإنسان آخر مجرد أن عواطفه جرته إلى الحديث مع امرأة بالهاتف أو معاكسة فتاة في السوق وهذا سلوك خاطئ يحتاج إلى تصويب. 44 ألف متهم في 28 ألف قضية أخلاقية خلال عام كشف تقرير صادر عن هيئة التحقيق والادعاء العام أن قضايا العرض والأخلاق وصلت إلى (28540) قضية في المملكة خلال العام المنصرم، وتشمل هذه القضايا كلاً من حالات "الزنا" و"اللواط" و"الخطف" و"التحرش"، بالإضافة إلى "الخلوة غير الشرعية"، وبلغ عدد المتهمين في هذه القضايا 43796 متهماً. واستوقفت الأرقام الكبيرة والنسب المطردة في قضايا العرض والأخلاق لجنة الشؤون الإسلامية بمجلس الشورى، وقالت بعد دراستها للتقرير السنوي لهيئة التحقيق والادعاء العام:"إن الزيادة في القضايا التي تباشرها الهيئة تشكل خطراً على الاستقرار في المستقبل، وعلى واقع الأجيال الحاضرة والمستقبلية من الجنسين"، مطالبة بتظافر الجهود نحو تشخيص الجرائم والجنح، ودراسة أسبابها ومسبباتها، سواء داخلية أو خارجية، ومتابعة تنفيذ الأحكام الصادرة حيالها - وهل تعد مجدية في قطع دابر الإجرام والإفساد أم لا-، على أن يكون ذلك وفق أسس علمية وشرعية وحضارية وعلى مستويات مختلفة، تبدأ من هيئة التحقيق والادعاء العام، ثم وزارة الداخلية بحكم إشرافها ومرجعيتها، وبالتعاون مع مراكز البحوث والجامعات وأخذ ذلك مأخذ الجد والسرعة فيه. مقترحات وتوصيات - التقرير المرفوع من هيئة التحقيق والادعاء العام إلى مجلس الشورى بشأن القضايا الأخلاقية بالمجتمع السعودي، يجب ألا يعتد به لأنه صدر من جهة رافعة للقضايا وليست جهة ناظرة ومصدرة للأحكام. - التقرير يفتقر إلى تعريف الجريمة الأخلاقية، ومن أجل ذلك جاء بهذا العدد الكبير. - الإجمال في التقرير وعدم التفصيل فيه أوجد تداخلاً في نوع الجريمة. - التقرير لم يراع ما ورد بنظام الإجراءات الجزائية بمادته الثالثة وغيرها من المواد. - الفعل لا يكون مستحقاً للعقوبة إلا بثلاثة شروط، وهي: أن يكون على أمر محظور معاقباً عليه شرعاً ونظاماً، وأن المحاكمة وفق الشرعة والنظام، وأن يكتسب الحكم القطعية. - وجود ضعف في ضوابط تقديم الدعوى أدى إلى كثرة المرفوع من القضايا. - عدم شمول نظام الإجراءات الجزائية في معالجة ما تم تقديمه من شكاوى. - ينبغي على مجلس الشورى عدم قبول ما يرفع إليه من تقارير مشابهة، إلاّ أن تكون من جهة لها حق مسوغات الرفع. - ينبغي مساءلة هيئة التحقيق والادعاء العام على جرأة رفع هذا التقرير إلى مجلس الشورى. - ضرورة أن يكون نظام الإجراءات الجزائية شاملاً لما يعرض من شكاوى. - على كافة المعنيين الذي يقومون بتقديم هذه التقارير أن يكون لديهم الحس الوطني، حيث إنه يبنى على هذه التقارير أمور كثيرة قد تمس أمن المجتمع وسمعته. المشاركون في الندوة أ. د. يوسف الرميح أستاذ علم الجريمة بجامعة القصيم د. إبراهيم بن حمود المشيقح عميد كليات القصيم الأهلية د. خالد أبالخيل رئيس قسم السنة بجامعة القصيم د. علي السواجي محامي