الكراسي العلمية الأكاديمية العالمية منظومات حضارية معاصرة همها البحث العلمي، وفي سخاء وتكرم دشن أمير منطقة مكةالمكرمة، في «19» من شهر المحرم الحرام 1431ه «كرسي الأمير خالد الفيصل، لتأصيل منهج الاعتدال السعودي» في قاعة الاحتفالات ومركز المؤتمرات في جامعة الملك عبدالعزيز، الجامعة العالمية المتقدمة. وإن كان الاعتدال منهج القيادة السعودية سدد الله خطاها فقد تبنته منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، حيث «لم يكن الاعتدال سمة عابرة في تاريخ الدولة السعودية على مر عصورها المختلفة وحتى عصرنا الحاضر». فليس بالغريب أن يهدف كرسي الأمير خالد لتأصيل منهج الاعتدال السعودي، وإن كانت أهدافه النابعة من أرض الحرمين الشريفين كثيرة ومتفردة إلا أن جوهرها وعمودها، يتجلى في إظهار الصورة الصحيحة لمنهج الاعتدال السعودي وتطبيقاته عبر الامتداد التاريخي للمملكة العربية السعودية، تسكب على قلوب شبابها فيض حنانها بلسماً شافياً من أفكار التطرف البغيض. فأقوال ولاة الأمر وحكمهم ودررهم وكنوزهم من الكلمات والجمل.. سيكون لها تأثير كبير في مستقبل الأجيال ليتشربوا منهج الاعتدال عقيدة وسلوكاً. ومما حدا بإستراتيجية كرسي الاعتدال أن تحرص على بث وإظهار هذه المعاني السامية، بإقامة معارض متنقلة في جميع أنحاء المملكة مدنها وهجرها وقراها، وفي جميع مراكز التجمعات البشرية، يعرض فيها لوحات وصورا لهذه الأقوال إلى جانب معروضات أخرى تظهر النهج القويم للقيادة السعودية وتبنيها لمنهج الاعتدال النابع من القرآن الكريم والسنة المطهرة وفي الحديث: (خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ». ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا يَمِينًا وَشِمَالا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) «الأنعام آية 153». والمثقفون السعوديون يتوقعون أن يكون لهذه المعارض المردود الواسع والتأثير المباشر الواسع السريع، إلى جانب ما تضيفه من آداب وسلوك عبر برامجها ومحاضراتها وندواتها، بقصد المزيد من تأصيل وتعميق منهج الاعتدال في المجتمع السعودي المشهود له بمجابهة تحديات الغلو والتغريب. فلذلك يشير الأمير خالد الفيصل «إننا في هذه البلاد مجتمع يقول وبكل ثقة وبكل ثبات: لا للتطرف، لا للتكفير، لا للتغريب، نعم للاعتدال في الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة، إنه الدين والحياة، إنه الإسلام والحضارة، إنه منهج الاعتدال السعودي». من هذه السماحة والتسامح تنطلق سفينة كرسي الأمير خالد ترفرف راياتها نحو قيم وعفة الاعتدال وحب الآخرين في وسطية لا تعرف للتخلف والعوج طرقاً، بل على المبدأ الراسخ من قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) «الأنعام 153» أي: هذا الذي وصيتكم طريقي وديني مستقيما مستويا قويما فاتبعوه»، وعليه تَفَعَلَت نظرة كرسي الأمير خالد تنشر ثقافة الاعتدال السعودي، لمواجهة التحديات النابعة من تيارات التطرف والغلو والتغريب، من خلال رؤيته القائمة على التأصيل العلمي لمنهج الاعتدال السعودي، تعزيزاً للوحدة الوطنية. ومن الشورى تبنت أهداف الكراسي الشراكة العلمية بين المؤسسات الأكاديمية والشخصيات العالمية الخارجية، لدعم وتطوير مجال علمي متخصص، بحيث تقدم هذه الشخصية أو الجهة التمويل اللازم لذلك، في حين تتولى المؤسسة الأكاديمية تهيئة البيئة البحثية اللازمة لنجاح الكرسي، إلى جانب الإشراف على تنفيذ الكرسي لمهامه وتحقيق أهدافه. ومن هنا تأتي أهمية كرسي الاعتدال، على تدبير وترشيد يحقق أحلام واحتياجات البلاد اليوم، ويساهم في بناء العقلية السعودية المتوازنة المتشربة لمراد الشارع من النصوص الدينية والشرعية على فهم معتدل، ينبذ العنف في آنية تستخف وتستبعد أيضا التعامل بتساهل وتمييع النصوص الدينية، ولا نكون بعدين إن قلنا الفكر السعودي اليوم في وضع يضطره إلى كراسي علمية حوارية معاصرة تقوم عليها شخصيات مرموقة أمثال الأمير خالد حفظه الله، تذكر وتصحح وترشد كثيراً من المصطلحات، لتنهض ببعدها القديم التلقيني فتكسبه المعنى الحواري الشورى، من دون جنوح لليمين أو للشمال، رغبة في تقديم صورة الإسلام الحقيقة ولنقدم للمثقف العالمي والحضارات المجاورة وللأجيال المقبلة، مفاهيم متوازنة، تعزز بناء عقلية وشخصية الإنسان السعودي المعتدل، والكل يشيد بانتقاء محاور الكرسي التي هي على قدر أصابع اليد خمسة.. المحور التاريخي ويهدف إلى استقرار ورصد تاريخ منهج الاعتدال السعودي. المحور الاجتماعي ويستهدف بحث موقف منهج الاعتدال السعودي في التعامل مع القضايا الاجتماعية مثل التطرف والعنف في المجتمع. المحور السياسي ويبحث في القيادة السعودية ودورها في منهج الاعتدال والعلاقة بين النظام الأساسي للحكم في السعودية وتحليل مواقف المملكة سياسياً في الداخل والخارج. المحور الاقتصادي من خلال تحليل السياسات الاقتصادية للمملكة ومواجهة الأزمات الاقتصادية. المحور الثقافي وأثره في حركة الفكر الثقافي في السعودية، الاعتدال في لغة الخطاب إضافة إلى أثر منهج الاعتدال السعودي على الآداب والفنون. لذا فإن ما قامت به جامعاتنا بإقامة مثل هذا النوع من الكراسي وغيرها لنأمل المزيد منها لكثير من قضايا المجتمع المختلفة ك «الشباب همومه ومستقبله في حواريةٍ معاصرة» وكذا على مثل ما قام به كرسي الأمير خالد الفيصل. والله من وراء القصد،، * جامعة أم القرى