توشك معضلة التمويل العقاري لإسكان ذوي الدخل المنخفض والمتوسط أن تتحول إلى أزمة مجتمعية تطال أطرافا عدة، فحق المواطن السعودي فى السكن صار مهددا إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك الإحصائيات التي تشير إلى أن 70 في المائة من المواطنين لا يستطيعون الحصول على مسكن دون تمويل، وشركات التطوير العقاري لديها طلب متزايد على العقار السكني ، ولا تجد القوة الشرائية لبيع الوحدات السكنية! إن السعوديين هم الأقل فى تملك المنازل فى الخليج، كما ورد فى تحليل نشر مؤخرا لخبير اقتصادي ان نسبة تملك المواطنين السعوديين هي الأدنى 22%، مقابل 90% لمواطني الإمارات، و 86% لمواطني الكويت. كيف يستطيع مواطن بمتوسط دخل لا يتجاوز 7000 ريال شهريا أن يمتلك منزلا وفقا لكلفة بناء وأرض تتجاوز المليون ريال! صوت مخنوق من المرارة يحكي عن عشر سنوات وأكثر من العمل لدى دائرة حكومية، ولا يستطيع أن يحصل على سكن له ولعائلته. قد حان الوقت الآن وليس غدا لتغيير أساليب تفكيرنا، إن الحديت المتكرر عن حلول لمعضلة التمويل العقاري لدى البنوك أو لدى العقاريين لا طائل من ورائه من ناحية الوقت والتنفيذ واتخاذ القرار، وعدم الاستجابة السريعة، والتفكير الرتيب فى فترات تغير متسارع!.. لذلك سنغادر إلى مساحة جديدة للحل خارج القطاع العقاري. يقرأ المرء من أجل طرح الأسئلة (كما يقول كافكا)، وأكتب هنا لأقدم مادة لاستثارة التساؤل والتفكير خارج الصندوق العقاري، ربما أكتفى بمدخلين فقط من مداخل التفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول لمعضلة التمويل العقاري، وهما: مدخل المواطنة مدخل الربط الاستثماري (الابتكاري) مدخل المواطنة لا يجب النظر إلى المنزل باعتباره حجراً وموقعاً فحسب، بل باعتباره رمزاً لركن آمن يعود إليه المواطن ، وإلى كون المنزل عنوانا للمواطنة، وحقا إنسانيا لبشر متساوين فى الكرامة والحقوق. كما لا يجب النظر إلى التمويل للأفراد أو للشركات والمشاريع أو للتجارة الخارجية باعتباره منحة من بنك أو دائرة حكومية أو مكرمة من أحد، وتجدر الإشارة هنا لمواطنة صحفية تواجه الرئيس الأمريكي بوش الابن، وتذكره فقط بأن القميص الذى يرتديه قد دفعت هى ثمنه مسبقا، فالرئيس ينتخبه ويدفع راتبه هذا المواطن بعمله وكده، وما يورده كل يوم لخزينة الدولة، فهو المالك للثروة، والصانع لها .. هذه حقيقة من حقائق الاقتصاد والتمويل نتجاوزها بغرابة فى مشاريعنا، ومجتمعاتنا العربية. لذلك نستطيع أن نعمل على تعدد الخيارات أمامهم، وتسهيل التمويل العقاري بشكل منخفض عن السوق (Low-Cost Funds) ، كما تجدر الإشارة أيضا فى هذا الصدد إلى التجربة الكندية، فالتجارب العالمية هى نماذج استثارة لمبادرات جديدة، بحثا عن حلول تمويلية . مؤسسة الإسكان والرهن العقاري من أقوى وأكبر المؤسسات الكندية من حيث المركز المالي والقوة النقدية، حيث تبلغ أصول هذه المؤسسة 23 مليار دولار، ولديها 224 مليار دولار تأمين قروض ورهونات سارية المفعول، وأكثر من 1700 موظف في كل أرجاء كندا. وتنقسم البرامج التي تقدمها هذه المؤسسة الكندية العامة للإسكان إلى عدة أنواع أبرزها: * برامج المساعدات المباشرة، حيث تقدم المؤسسة ثلاثة برامج فدرالية لتحسين ظروف السكن لضعيفي الدخل وللعاجزين (إعاقة، مرض).. كما تمتد هذه المساعدات إلى النساء الأرامل والأطفال المشردين، أو لضحايا العنف الأسري. * مساعدة مباشرة لأكثر فئات المجتمع الكندي عزلة في المناطق النائية، حيث تقدم لهم المؤسسة مساعدات لبناء منازل جديدة، أو لترميم منازل قائمة. * برامج الضمان الإقراضي... حيث يتم تقديم ضمانات للبنوك عن المواطن الذي لا يستطيع دفع 30% مقدما من قرض المنزل، وتسهيل الحصول على التمويل الميسر لعدد 652573 منزلا من خلال مشروع الضمان الإقراضي. كانت المؤسسة هي الضامن الوحيد، توفر الحماية ضد توقف المقترض عن السداد للقرض المؤمن عليه من المؤسسة، والمساعدة في إبقاء ضمان القروض في أدنى مستوى عبر ضمان 29.6 بليون دولار في سندات. ويكفي للتدليل على أهمية هذه الأرقام الإشارة إلى أن 80% من الكنديين تمكنوا من الحصول على مساكن خاصة بهم عبر استخدامهم الناجح للآليات المتاحة في القطاع الخاص في مجال سوق الإسكان، واستطاعوا الحصول على مساكن ميسرة ومناسبة وكافية لاحتياجاتهم . * برنامج التمويل منخفض التكاليف... وهو برنامج يقدم قروضاً لمشروعات الإسكان عبر ضخ 1.3 بليون دولار في صورة قروض مباشرة ، وذات فائدة منخفضة بأقل من سعر السوق للجهات التي تقوم بتشييد وتقديم خدمات الإسكان الميسر للمواطنين في مختلف المناطق. مدخل الربط الاستثماري قطاع العقار من أهم القطاعات التجارية، كونه ذا علاقة مباشرة بكل شرائح المجتمع تقريبا، إضافة إلى قدرته على استيعاب المتغيرات الجديدة. فالعقار ليس مسكنا أو مكتبا، بل هو المدينة كلها والناس. لذلك أسوأ ما يمكن أن تفعله الشركات العقارية أن تعمل وحدها بدون تأسيس شراكات وإدارة تحالفات مع شركات عاملة خارج القطاع العقاري، فى قطاعات السياحة، الخدمات الصحية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات CIT ، هذه منطقة للتفكير الابتكاري معا، والربط الاستثماري بين قطاع العقار والقطاعات التجارية. قليل من الخيال وكثير من الصدق مع النفس، هذا كل ما نحتاجه للحصول على حلول استثمارية وتمويلية، والحفاظ على حق إنساني، نجده فى صدارة (فقه) حقوق الإنسان! * مستشار الابتكار المؤسسي