ثمانون عاماً وهي فتية متجددة الشباب، يزيد في قلوبنا عشقها سنة بعد أخرى، وكلما اكتبست عاما اكتسبت نضجا، ولكنه نضج الشباب لا حكمة الكهول. نبتعد عنها فتتعلق بها قلوبنا، نحِنّ إليها فإذا لامسنا ترابها سكنتنا الطمأنية مصداقا لقوله تعالى: "فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَت عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَابًا مَوقُوتًا". إذا غبنا عنها خالط الحنين إليها مشاعرنا، وهفت إليها قلوبنا، وإذا عدنا إليها حمدنا الله أنها بكل مافيها من جمال وأصالة ووفاء وسعة صدر ورحابة أفق تنتظرنا بالحب مهما بلغ عقوقنا. نختلف ونتفق، نختصم ونتصالح، نتناقش ونتحاور، ننتقد ونثني وهي في كل حالاتنا تستوعب طيشنا، وتحتوي طموحنا، وتستمع لشكوانا وتستنطق أحلامنا فتحزن لحزننا وتفرح لفرحنا. فيها نأمن، وفي حماها نعتز ونفخر، وبوجودها تطاول رؤوسنا النجوم فخرا بأننا ننتمي إليها. لا يعيبها في عيوننا شيء، فهي كاملة الحسن على حالها: وتستعذبُ الأرض التي لا هوى بها ولا ماؤها عذب ولكنها وطن بتنوعنا واختلافاتنا، بقدراتنا وعزائمنا، بجهدنا وإصرارنا نتعاون لتكون الأجمل، والأفضل والأكثر تميزا بين قريناتها، فهي المكان الذي يطيب لنا العيش وإن قسا، وفي غيرها تضيق بنا الحياة وإن رخت. فقد ألفتهُ النفس حتى كأنه لها جسدٌ إن بان غودر هالكا تحل علينا الذكرى الثمانون لتوحيد المملكة العربية السعودية وبلادنا – والحمد لله - آمنة مستقرة، نامية مزدهرة، في كنف قيادة رشيدة سخرت كل موارد الدولة وطاقاتها لخدمة الشعب السعودي الأبي الذي يبادل قيادته الوفاء إخلاصا، والعمل ولاء، فحسنت النوايا، وتضافرت الجهود، وتوحدت السواعد في بناء وطن ليس كمثله الأوطان، وهذا من فضل الله علينا في هذ البلاد المقدسة. لقد شهد توحيد المملكة ملحمة كبرى تمكن فيها المؤسس ورجاله الأوفياء - رحمهم الله - من تأليف قلوب أبناء الوطن وعقولهم مما جعلهم يتحدّون ظروف الزمان وتضاريس المكان، ويعملون متضامنين على إرساء قواعد راسخة على أرض صلبة لهذا الوطن الشامخ المهتدي بكتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم. وإننا ونحن نحتفل بالذكرى الثمانين لتوحيد المملكة نستذكر تاريخ التأسيس الذي قاده الملك عبدالعزيز ورجال مخلصون ركبوا الصعاب، وهزموا المستحيل، ورووا تراب الأرض بدمائهم الزكية لتوحيد كيان مترابط يفخر بصفاء العقيدة ، ويرفع لواء التوحيد والدعوة، ويعلي كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فندعو لهم بالرحمة ونعاهدهم بالمحافظة على هذا الكيان المبارك. ثمانون عاما وبلادنا ثابتة على المبدأ، تتشرف بخدمة الحرمين، وتعتز بوفادة ضيوف الرحمن، وتضرب للعالم مثلا بإنسانيتها التي تحمل الخير للجميع، وتغيث الملهوف حيثما كانت أرضه. نحتفل بها في يومها الوطني وكلنا إصرار لأنْ تكون في كل عام أفضل من سابقه، وهي أفضلية لا تتحقق بالأماني وإنما بالعمل الجاد والمخلص، فكلنا معنيون بأن تكون دائما في المقدمة، ولا يستقيم أمر ذلك إلى إذا تحولنا جميعا إلى بناة كلّ فيما يخصه وبالقدر الذي يطيقه. الوطن بحاجة إلى جهد كل فرد فيه، فمن يستطيع أن يبني فقد حقق المواطنة الصالحة ومن لايستطيع البناء فعليه أن لايكون عامل هدم في بناء الوطن الشامخ. وما نشهده اليوم من عمليات تحديث وتطوير مستمرة تواكب التطورات العالمية المتسارعة وتستجيب للحاجات التنموية المتجددة، وتضمن الانفتاح على الجديد النافع بما لا يتعارض مع الشرع المطهر إنما يبرهن على حيوية بلادنا واطراد نموها. ودولتنا جادة في خططها وجهودها لرفع المستوى المعيشي لجميع المواطنين، والرقي بمؤسسات الدولة إلى أفضل المستويات. ونتطلع دائماً إلى حلول جديدة وأشكال متطورة في إدارة اجهزتنا التنفيذية بما يخدم مصالح الوطن ويرتقي بخدمة المواطن..