القرار الذي اتخذته وزارة الثقافة والإعلام بفسح كتب مبدعنا غازي القصيبي – يرحمه الله - وهو في طور الاحتضار قرار يستحق التأمل والتوقف عنده والفسح بحاجة إلى فسحة من الوقت لتداول الأسئلة التي يثيرها هذا الفسح . ولنبدأ بفكرة الفسح والمنع نفسها فعلى الرغم من الواجهة الحيادية التي تتخذها وزارة الثقافة والإعلام بهذا الخصوص ، ووزير الثقافة والإعلام قد صرح في أكثر من وقت ومكان بأن منع الكتب يتم على أضيق نطاق وفقط في الكتب التي تتعرض للمقدسات الدينية أو تمس الوحدة الوطنية ، إلا أن كتب غازي القصيبي التي حتما لاتحتوي أيا مما سبق ظلت في المنفى حتى قبل وفاته بثلاثة أسابيع . وهذا بالتالي يقودنا إلى سؤال آخر هل تعاني وزارة الثقافة والإعلام نفسها من ازدواجية القرار التي تظهر في الفرق بين تصريحات القيادة العليا وبين ماهو قائم في الحقيقة في إدارة المطبوعات ؟ لن أعيد وأزيد هنا حول ما اعتدنا تداوله بأن فكرة المنع والحجب باتت فكرة ديناصورية في وقتنا الحاضر وأنه بلمسة زر وبروكسي ماكر باستطاعتنا أن نحمل أعتى الكتب في حاسوبنا ، لكن ما سرّ قرار الفسح ومبدعنا الكبير يحتضر هل هو خشية أن يداهمه الموت ثم يفاجأ العالم بالفضيحة الثقافية الكبرى أن مبدعا سعوديا من رجالات الدولة تمنع كتبه؟ وأن وزارة الثقافة في السعودية عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم تجاه فسح كتبه هو وسواه من المبدعين ؟ أم أن فسح كتب القصيبي وهو يحتضر ستجعل معارضة الممانعين لهذا الفسح تخفت وتتوارى نتيجة أن المبدع نفسه قد حلّ به المرض كعقاب فبالتالي كفى بالموت واعظا . أيضا الكتاب ليس بمجموعة أوراق الكتاب تنقل من مكان إلى آخر ، الكتاب هو حالة ثقافية متكاملة بين المبدع والمستقبلين ومن هنا يصبح دور وزارة الثقافة (وهذا الدور المتعارف عليه في كل العالم والذي من أجله تقوم وزارات الثقافة) دعم الكتاب ودعم توزيعه وتسويقه ، أيضا إبرازه وتسليط الضوء عليه عبر الأنشطة الثقافية من ندوات ومحاضرات ومقاربات نقدية من شأنها أن تكرم هذا المبدع من ناحية ، ومن ناحية أخرى تثري وتنشط الفضاء الفكري والثقافي الذي يعاني لدينا من انحسار وخمول شديد . وما سبق ليس هو الأسئلة الوحيدة التي تثيرها عملية فسح كتب مبدع سعودي وهو في طور الاحتضار ، ولكنها بالتأكيد جزء من مجموعة علامات استفهام تطوقنا تجاه قضية المنع والفسح البدائية التي مازالت تحتل حيزا واسعا في المشهد الثقافي لدينا . * * * إلى أم سهيل القصيبي: لأن مراثي مبدعنا غازي القصيبي مازالت تحتل صفحات الصحف المحلية وبعض العربية ، ومازالت الكلمات تتقاطر من أرجاء المعمورة كورود تحف ذكراه وحضوره الوارف وغيابه المفجع ، ووسط هذا الطوفان أود أن ارسل بضعة أسطر إلى السيدة أم سهيل رفيقة دربه وصانعة جزء كبير من أسطورته ، والتي اختارت من البداية أن تكون في الظل لترقب بولَهٍ وفخر فارسها وهو يخوض المعركة تلو الآخرى ، وهي عزلاء من كل شيء سوى عشقه ، غريبة وطنها هي تلك المساحة المورقة التي تمتد بينها وبينه ويزهر بها عوالم ثرية ويبسق كنز من الأولاد ، اختارت الصمت الخلاق المتدفق كنهر الدانوب والذي جعلها تحضر رسالة الماجستير في الأدب العربي ، وتسير في قلب بلاد الانجليز في مظاهرات القضايا العربية وقد التحفت الحلم اليعربي . عزيزتي أم سهيل ربط الله على قلبك وثبتك ، وإذا استيقظت ذات صباح وبدا البيت مقفرا موحشا دونه ، وإذا عصفت بك الأشواق إلى نبرات الرفيق وحضوره المترامي ، فتتبعي حضوره في وجدان كل شخص من مريديه ومحبيه ، وهم كثر، تقصي أحواله في ملامح الأبناء وطبائعهم ، وستلوذين به في كتبه التي لايخلو منها بيت سعودي ، رغم أنها كانت ممنوعة، فالكتاب وحده هو حتما بوابة الخلود .