أتذكر موقفاً رمضانياً جميلاً يعبر ذاكرتي الإدارية كلما رأيت مواطناً يصطدم في جملة: «حسب التعليمات» عند مراجعته لإدارة حكومية، |أو شابةً أو شاباً تقدم لمعهد أو كلية أو جامعة ولم يُقبل بحجة عدم انطباق الشروط، أو مواطناً رغب الالتحاق في وظيفة ورُفض لعدم اكتمال المتطلبات.. هذا الموقف فيه من الطرافة قدر ما فيه من صدق سمو المحتوى الذي تحمله فطرة المواطن السعودي وعلاقته مع ولاة أمره، حيث تشرفت بالعمل في إحدى المحافظات لأفاجأ بأول المراجعين الذي بعد السلام وجميل الكلام قال لي (تراي أعرف الملك الله يطول عمره وأعرف جميع إخوانه وبالذات وزير الداخلية لا. لا ولي معرفة قوية مع الأمير سلمان والأمير سطام الله يرحم اللي عقبهم لنا). وهو بتلك الإشارة يقول لي انتبه تعقّد معاملتي التي أضعها بين يديك بحجة النظام ولم يعلم هذا المراجع أن لدي معلومات مسبقة عن شخصه الكريم إنه رجل طريف في تعامله يلجأ إلى هذه الحيلة التي صنعها لنفسه من نفسه للهروب من بيروقراطية العمل الإداري التي يتعامل بها بعض القادة الإداريين مع من لا تربطهم مصلحة شخصية به أو صلة قربى أو... لأرد عليه فوراً مقسماً بالله العظيم أن الملك وجميع من ذكرتَ من إخوانه يوصون عليك، بل يعتبرونك من أهم اهتماماتهم والدليل على ذلك ما سأوجه به الآن على معاملتك، «يُعفى المواطن.. وتُنجز أوراقه لأن أمرَه يهمُّ الملك». وعندما هممتُ بتسليمه أوراقه وإذ به يتصبب عرقاً ويُصاب بحالة ارتباك ويجلس فوق المنضدة بدلاً من الكرسي دون علم منه قائلاً: «وش اللي كتبته على معاملتي يا ولدي» لأردُّ عليه كتبتُ الصحيح وما ذكرتَه لي، قال: أصبر ترى الاستعجال ما فيه خير يمكن يزعل الملك لو يدري عن ما كتبته، لأقاطعه بأدب مستدعياً أحد الموظفين قائلاً: انجزوا أوراق هالشايب الطيب، وإذا به يصر أن أُلغي هذا التوجيه خوفاً عليَّ من المساءلة وحقيقة الأمر غير المعلن أنه هو الذي خاف من المساءلة، لأهدئ من روعه قائلاً له: يا والدي أقدر ما تدعيه بل أقسمت لك وأنا صادق أن ولاة الأمر بدءاً من الملك يعرفون المواطن عن قرب ويعيشون معه في خصوصية المشاعر كالتي تعيشها وأعيشها أنا معك الآن، بل ويضعون مصلحته اهتمامهم الأول وليس أدل علي ذلك من التعاميم التي ترد منهم أو ما يُشاهد ويُقرأ ويُسمع من تصاريح وأحاديث عبر مجالسهم المفتوحة للمواطنين أو عن طريق وسائل الإعلام المختلفة. لا. لا. لا. تنزعج مما أدعيته يا والدي، أنت أهديت للإدارة المحلية السعودية مبدءاً لا يوجد في أمهات كتب علومها لو عَمِلَ به كل مسؤول لما وُجدت المحسوبيات ولما تكونت بؤر ومستنقعات الفساد المالي والإداري بل قد لا نرى بيننا باطلاً أو عاطلاً لأن الحقيقة التي يجب أن تكون شعاراً وطنياً يُعمل به هي: «أمرُ هذا المواطن يهمُّ الملك». حيث تنتشر بها ثقافة خصوصية المشاعر بين ولاة الأمر وبين كل مواطن وكأن كل من له مصلحة يهمهم شخصياً. رمضان مبارك عليكم. * المديرية العامة للجوازات