هناك حراك إيجابي في وزارة التربية والتعليم، هناك محاولة للمراجعة والتصحيح، هناك توجه لإعادة بناء هذه الوزارة "الأم" التي لا يمكن أن تنهض أمة دونها، إنها مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق هذه الوزارة، ويجب أن يكون رجالها على قدر هذه المسؤولية. الحراك غير المسبوق الذي نسمع به والمحاولات التصحيحية التي نسمع بها يجب أن تكون "عامة" ويجب أن يشارك فيها المجتمع لا أن تصنع في أروقة الوزارة وتفرض على المجتمع، ولا يوجد داعٍ أن أذكر القارئ بما ذكرناه في مقالات سابقة كيف أن تغييرا بسيطا في منهج العلوم للصف الخامس الابتدائي أخذ أكثر من خمسة أعوام في المدارس البريطانية وعبر ورش عمل دعي لها الآباء والأمهات للإدلاء بدلوهم في هذا التغيير، وقد كنت مشاركا في بعض هذه الورش كولي أمر. الحراك الذي تعيشه الوزارة تنقصه المشاركة الاجتماعية، والذي يظهر لنا هنا، أن الوزارة يجب أن تنهج منهجا جديدا تتخلص فيها من "أبويتها" التي جعلتها تنفرد بقراراتها السابقة (رغم أن الوزارة تؤكد أنه كانت هناك مشاركات لكنني أؤكد هنا كولي أمر لأبناء وبنات في جميع المراحل التعليمية أنه لم يصلني خلال العقدين الأخيرين أي دعوة من الوزارة للمشاركة في مناقشة قرارات مهمة تمس التعليم في المملكة). ومع ذلك نحن نبارك هذا الحراك لكننا ندعو الوزارة لإعادة التفكير مرة أخرى في آلية اتخاذ القرار، لأن إشراك المجتمع يعني توزيع المسؤولية على الجميع كما أنه مشاركة تجعل أفراد المجتمع يشعرون بدورهم وبقيمتهم وتأثيرهم ويشكل منهم مواطنين صالحين. إن وزارة التربية لا تملك المقدرة على «التقويم» سواء على مستوى المعلمين أو على مستوى البيئة التعليمية، وطبعا في بلادنا لا احد يقيم منجزات الوزارات ولا أحد يحاسب القرارات الخاطئة، فنحن «حقل تجارب» يذكرني هذا بمشاركتي الاثنين الفائت في برنامج على قناة الإخبارية كان يتحدث عن منهج التربية الوطنية، والتي تنوي الوزارة مراجعته وتطويره، ولا أعلم كيف تتم عملية تطوير المناهج في الوزارة، فهذا سر عظيم، يصعب علينا فهمه، لكن على كل حال كان الضيف في الاستديو من الوزارة (وقد كانت مشاركتي عبر الهاتف) وكان يسوق التبريرات تلو الأخرى التي تصور وزارة التربية والتعليم على أنها وزارة حققت إنجازات عظيمة ولديها معلمون متفوقون، ولا اعلم لماذا هذه التبريرات ولماذا لا نتعلم كيف ننتقد أنفسنا وأن نوضح مشاكلنا للمجتمع ونطلب منه المساعدة. ما العيب في ذلك، وماذا ستخسر الوزارة إذا مدت يدها للناس وطلبت منهم المشاركة في تطوير التعليم وحملتهم المسؤولية. هذه الأسئلة هي مفتاح التغيير فنحن لا نحتاج إلى تطوير المناهج والمعلمين فقط بل نحتاج إلى تطوير علاقة الوزارة بالمجتمع وبالناس وبتطوير آليات اتخاذ القرار لأن هذه الآلية هي أساس التغيير. دعوني أسوق بعض الأمثلة لبعض القرارات التي اتخذتها الوزارة خلال الأعوام السابقة ونرى أنها اليوم لم تكن قرارات موفقة فقد سمعت هذا الأسبوع بعض الأخبار حول التعليم أهمها هو احتمال إلغاء "التقويم المستمر" والغريب أن هذا القرار اتخذ قبل عدة أعوام وانتقدته شخصيا على صفحات جريدة الرياض وقلت آنذاك إن وزارة التربية لا تملك المقدرة على "التقويم" سواء على مستوى المعلمين أو على مستوى البيئة التعليمية، وطبعا في بلادنا لا احد يقيم منجزات الوزارات ولا أحد يحاسب القرارات الخاطئة، فنحن "حقل تجارب"، وكل مرة نكتشف أن القرار في غير محله، ونعالجه بقرار آخر لا نعلم مدى مناسبته لحالتنا، فنحن نبني قراراتنا على "فراغ معلوماتي وعلمي" مثير للدهشة، فعندما أتذكر مبررات قرار التقويم، والحشد "التبريري" الذي ساقته وزارة التربية لإقناعنا بجدواه ومناسبته لنا، وأنه قرار مبني على دراسات ميدانية "فندقية" قام بها رجال التربية (والتي لم نطلع على أي منها ولن نطلع لأنها غير موجودة) هذه التبريرات تجعلنا نفكر ألف مرة في أي قرار يمكن أن تتخذه هذه الوزارة، فقد تعبنا من التجارب غير المجدية التي تريد بها الوزارة ترميم نظام تعلمي بالٍ خارج التاريخ، وأنا أقول للوزارة هنا إن نظم التعليم معروفة على مستوى العالم، ولنتخذ أي منها ولا داعي لاختراع العجلة كل مرة، فهذا لن يحسن وظعنا التعليمي وسيزيد الأمر سوءا. الخبر الآخر هو "إعادة هيكلة التعليم"، والحقيقة إنني لم أفهم معنى إعادة الهيكلة، وماذا يقصد بها، ولا أعلم كيف وصلت الوزارة إلى هذه القناعة، لكن بشكل عام تحتاج الوزارة بوضعها الحالي إلى إعادة تنظيم، طبعا لا يوجد أي معلومات أخرى عن إعادة الهيكلة هذه، وعندما تتحدث إلى أحد من المسئولين في الوزارة سيقول لك إن المعلومات متوفرة في الوزارة وعندما تذهب للحصول على المعلومات سوف يطبق القرار ويثبت فشله قبل أن تحصل على معلومة واحدة من الوزارة. هذه ليست مبالغة، ولا تجني على وزارة التربية بل إن أي دراسة علمية تقوم أداء الوزارة سوف تصل إلى نتيجة أنه لا يوجد مشاريع ناجحة أحدثت تغييرا على مستوى الأداء التعليمي خلال الأعوام السابقة وسوف تثبت هذه الدراسة تناقضات قرارات الوزارة. التجارب التي تتبناها الوزارة غالبا ما تكون بعيدة عن تقدير واقع الوزارة على مستوى الموارد البشرية وعلى مستوى البيئة المادية للمدارس، ولعل هذا ناتج أصلا عن التكوين الإداري للوزارة الذي مازال يتعامل مع التعليم كعمل "خدمي" لا على أنه "إستراتيجية وطنية" يجب أن يكون مستقلا ومتحررا من تعاميم الوزارة العجيبة. أتمنى أن تكون إعادة الهيكلة هذه تصب في إطلاق الحريات التعليمية وفتح الباب على مصراعيه للإبداع الطلابي البعيد عن "الشكليات" و"الانتقائية". كما أنني أتمنى أن تكون إعادة الهيكلة مرتبطة بهدف وطني للتعليم يحاول أن يسعى لتحويل مجتمعنا إلى مجتمع منتج قادر على الاعتماد على نفسه، لأن ما يحدث حولنا يؤكد أن هناك خطأ ما وأن هذا الخطأ له علاقة ما بالتعليم وأن هذا الخطأ ينعكس على استقرارنا الاجتماعي والاقتصادي، فماذا يجب علينا أن نفعل. لا أتمنى أن يكون قرار إعادة الهيكلة مثل قرار التقويم المستمر الذي تم اتخاذه في فندق خمس نجوم بعد أن اجتمع رجالات الوزارة عدة أيام ليتباحثوا في القرار، نحتاج قرارا يفهم رجل الشارع ويتعامل مع البسطاء في بلادنا فهم الذين يعانون من كل قرارات وزارة التربية.