بُعْد زمنيّ طويل ومضنٍ بحجم أوجاعنا ، وآلامنا ، وإحباطاتنا ، وهزائمنا ذلك الذي يفصلنا عن العنفوان العربي، والروح المتمردة على واقع منكسر في كل ممارساته وسياساته ، حتى كادت تغيب عنا ، أو تمحى من الذاكرة الجمْعية نضالات متألقة وجريئة كانت تبعث الأمل ، وتمنح التفاؤل ، وتعطي لهذا الفضاء العربي المتخاذل والمنكسر والسادر في سباته نوعا من الحافز لمراجعة واقعه ، والبحث عن أفق لخلاصه ، وقراءة حاضره المرتكس في البلادة، واجترار الوهم عبر استدعاء البطولات من تاريخ " إذا بلغ الفطام لنا رضيع " وبطولات " أبو زيد الهلالي " و" الزناتي خليفة . بُعْد زمنيّ مضى بيننا وبين ذلك الحراك المبهر والمفرح الذي شهدناه بعد كارثة 67 ، أو حرب الست ساعات حين تحطمت الطائرات ، كل الطائرات عند الفجر ، وضاعت منا أراض أكثر بكثير من الجغرافيا التي سلبت في عام 48 ، وهُجّر الآلاف من أصحاب الأرض والحقوق ليعيشوا الشتات والتيه والقهر والذل ، و" أنا الذي وطني ارتحال الشمس ، طول الأرض ، عرض الأرض ، لكني بلا وطن ، من ذا يصدقني !؟ ". حراك كان في الشارع العربي ، في جامعات الوطن العربي ، في مؤسسات المجتمع المدني ، وحراك داخل الانسان يوجهه نحو تحصين الكرامة ، والمنجز التاريخي ، ومستقبلات الأجيال ، وشعور بأن الأرض تنجب مناضلين ومقاومين ، ومن يكون همهم وهاجسهم الثبات في وجه الطغيان ، والاستبداد ، ومصادرة إنسانية الإنسان ، لهذا كان المد النضالي مستعرا قبل أن تقمعه وتلغيه وتصادره أنظمة العسكر البليدة ، وتوجه الطاقات قسرا إلى الهتاف بحياة الزعيم ، وتمجيد الزعيم ، والاحتفال بمولد الزعيم السعيد ، وزواج الزعيم . ومن ثبت على مواقفه وقناعاته، وسار على النهج الطليعي الذي كرسته الثقافة والوعي ، فإن المعتقلات ، والسجون ، والاقبية المظلمة مصيره " خالداً فيها ، وبئس المصير " . لايزال في ذاكرتنا ، وفي ثقافتنا الفنية ، وفي شعرنا نضالات " جميلة بوحيرد " كرمز من رموز النضال ضد الاستعمار، ولايزال في مخزون الوعي النضالي ابنة الجنوب اللبناني سناء محيدلي ، والرائعة الاستثنائية ليلى خالد، أو " شادية أبو غزاله " اسمها الحركي حين خطفت طائرة إلعال الإسرائيلية في عام 69 ، وبطل عملية مقهى " الويمبي " في شارع الحمراء بقلب العاصمة اللبنانية بيروت عام 82 حين قتل أربعة ضباط إسرائيليين كانوا يحتسون الشاي هناك بعد ااإجتياح . مناضلون كانوا يحركون الوجدان العربي ، ويثيرون العنفوان الجمعي ، ويحافظون على الرغيف ساخنا داخل الفرن ويضعون القضية حاضرة وبقوة في المحافل الدولية ، وفي مراكز القرار الأممي ، لكن ذلك كله اختفى ، وانحسر وهجه وتوهجه بعدما أدخلت بعض الانظمة إنسانها إما الى السجون ، وإما إلى المصحات العقلية ، وفي أحسن الاحوال اللهاث وراء لقمة العيش . والسؤال . هل تبعث " قافلة الحرية " شيئا مما كان ؟