في الستينيات انصرفنا في قراءاتنا عن شعراء العصر العباسي، والشعراء الصعاليك، والشعراء العذريين، وتجاوزنا "وإني لأرضى من بثينة بالذي لو ابصره الواشي، لقرّت بلابله بلا، وبألا أستطيع، وبالمنى وبالأمل المرجوّ، قد خاب آمله" تجاوزنا هذا الشعر الرقيق العذب، المذبوح صاحبه الى "أناديكم، أحييكم أبوس الأرض تحت نعالكم، وأقول أفديكم.." وامتداداً "وأنا الذي وطني ارتحال الشمس، عرض الأرض، طول الأرض، لكني بلا وطن من ذا يصدقني.." أخذَنا محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زيّاد، ومعين بسيسو، ويوسف الخطيب وغيرهم من شعراء المقاومة الى فضاءات العمل المقاوم، وتجسيد القضية العربية في الوعي العربي حالة معاشة في كل تفاصيل الحياة، وهمومها، وتكريس الكرامة، والتاريخ، والجغرافيا، والإرث الحضاري والفكري في عقل الجيل كهمّ، وقضية، ونضال.. أصبحنا في زمن التوهجات، والمخاضات الفكرية نبحث عن هؤلاء الشعراء يصورون بالكلمة والحرف نضالات، وتضحيات الإنسان في سبيل الأرض، والإرث، والقومية، واحتفلنا بالمناضلة ليلى خالد وهي تطوف بطائرتها فوق مطار اللد. وتحاول النزول لتقول لها سلطات المطار "إن عليها الحصول على إذن" فتجيب "هذه أرضي، وليس عليّ طلب الإذن من أحد..". كان ذلك زمناً صدقنا كثيراً ما كان يمارس فيه من قول، وفعل من بعض زعامات الأمة، وقيادات النضال. وجاء زمن آخر تكشفت فيه المتاجرة، والابتزاز بالقضية، وإطعام الإنسان العربي الوهم الكبير، والحلم الذي هو سراب. بدأت الأفلام الوثائقية تعرّي الواقع، وتكشف عن الكذب، والدجل، والمؤامرات، والابتزازات، "قناة الجزيرة، وثائق القضية العربية" وتوالت المذكرات المكتوبة لتجعلنا نتحسر على الزمن الذي ضاع من العمر في عيش الأحلام، والأوهام. ثم ماذا بعد: صارت المشكلة في موقع كرسي خالد مشعل على طاولة المفاوضات بين فتح وحماس..!!. "يا أمتي، ماذا لديك، تكلمي، ما أنت أمة..".