أحدثت رسالتان بعثت بهما المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد إلى إحدى الصحف الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية مؤخرا وهي صحيفة " الوطن " ، تكشف فيهما معاناتها مع المرض والعوز المالي أحدثت فعل القنبلة في الأوساط السياسية والإعلامية في الجزائر التي تفاجأت بالمناضلة الثورية التي تحدث العالم عن بطولتها التاريخية في السينما والرواية والمسرح والجامعة تطلق صرخة استغاثة هي أشبه ب " الاستجداء " للالتفات إلى وضعها الصحي وواقعها المعيشي الذي لا يشبه في نهاية المطاف واقع المعوزين في الجزائر الذين يكابدون محن لقمة العيش وهي التي كابدت ليس ككل الجزائريين أبشع صور التعذيب على طاولات جلادي ماسو وبيجار ، جلادي فرنسا الاستعمارية ، واحدة من أكبر القوات العسكرية في القرن العشرين آنذاك . " الرياض " التقت بإحدى قريبات المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد ، التي يلفظ بعض الأشقاء العرب اسمها خطأ فيقولون " جميلة بوحريد " لكنهم بالتأكيد لا يخطئون في وضع اسمها ضمن القامات التاريخية والثورية التي يعرفها التاريخ الحديث ممن كتبت حروف أسمائهم بالدم وليس بالذهب . أكّدت قريبة جميلة بوحيرد التي حكمت عليها فرنسا بالإعدام العام 1957 ، أن الأخيرة طريحة فراش المرض لكنها تغالب مرضها وترفض الإذعان له وتصّر على الوقوف على رجليها رغم ضعفها تماما مثلما ظلت تفعل زمن الاستعمار الفرنسي وما بعد استقلال البلاد ، وحسب قريبتها التي تتردد بين الحين والآخر على بيتها المطّل على القصر الرئاسي بناحية المرادية أعالي العاصمة الجزائر ، فإن جميلة الجزائر و" الشهيدة الحية " هكذا تسمى وهكذا يسميها التاريخ ، تحتاج عاجلا لثلاث عمليات جراحية إحداهن غاية في الدقة وهي تلك التي تطال منطقة الرأس حيث تشعر المجاهدة بأوجاع " سرطانية " تمنعها من النوم تعتقد جميلة بوحيرد وأهلها أنها من آثار التعذيب الذي تعرضت إليه زمن الثورة وما خضعت له من استنطاق باستعمال الكهرباء وغيرها من وسائل التعذيب التي خلفت تشوهات على مستوى فروة رأسها ومناطق حساسة من جسدها فضلا عن الآثار النفسية التي جعلت جميلة بوحيرد تتجنب منذ عشرات السنين أي حديث مع الصحافة إن محلية أو دولية لتفادي استحضار ذلك الكم الهائل من الوجع والألم الذي تعيشه من جديد كلما تذكرت التعذيب الذي طالها وواجهته بشجاعة وقوة وحزم عشرات الرجال . وكشفت قريبة المجاهدة جميلة بوحيرد التي تشارف ال 74 سنة وظلت طيلة هذه السنوات تعيش بعيدا عن الأضواء والصالونات الفاخرة وترفض المناصب السياسية وكراسي الجاه أن عمليتين جراحيتين أخريين يتطلبهما الوضع الصحي لجميلة واحدة على مستوى الفك السفلي وأخرى على مستوى الرقبة حيث تعاني المجاهدة من تضخم الغدة الدرقية (goiter ) ، وكشفت محدثتنا أن العديد من الجهات خارج الجزائر عربية وأجنبية أوفدت مبعوثين عنها يعرضون على البطلة الثورية الجزائرية التكفل بمصاريف علاجها في كبريات مستشفيات العالم لكن هذه الأخيرة أحجمت بدافع الكرامة عن قبول تلك العروض . ونقلت القريبة عن جميلة بوحيرد تأثرها البالغ وهي تتسلم رسالة من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية تدعوها إلى قبول مساعدتها لأن ذلك سيكون فخرا لها ولبلدها . وفي الوقت الذي ما تزال أوساط تحسب على الأسرة الثورية في الجزائر تشكك في أن تكون الرسالتين اللتين نشرتا في الصحافة الجزائرية صادرتين عن المجاهدة جميلة بوحيرد وهما الرسالتان اللتان أحدثتا ما يشبه الصدمة على مستوى الشارع الجزائري وخلخلتا العقل والمنطق على اعتبار أن الواقفة وراءهما هي من فئة الذين تغدق عليهم الدولة بالمزايا والمنح والخدمات الصحية والاجتماعية المجانية وأنها ليست في حاجة إلى مساعدة الآخرين للتكفل بمتطلباتها الخاصة قطعت قريبة بوحيرد الشك باليقين مؤكدة ل " الرياض " أن جميلة هي من كتبت الرسالتين وأرسلتهما إلى الصحافة بعدما قضت ليلة بأكملها إلى غاية الصبح وهي تبكي لوحدها وتتألم من أوجاع في رأسها وفي فكها فجاء قرارها الذي أدهش الجميع وهو الكتابة عن حالها وإطلاع الرأي العام عن وضعها الاجتماعي والصحي الذي طالما حاولت إخفاءه حفاظا على صورة البلد الذي كافحت من أجله لينعم أبناؤه بالحرية . وذكرت قريبة المناضلة جميلة بوحيرد أن الأخيرة ساءها أن تردد أوساط لم تسمها أنها غنية وفي سعة من أمرها ولا تحتاج لمساعدة الدولة ، مع أن ما تطلبه هو في نظر الكثيرين بالأخص الطبقة السياسية حق مشروع لكل رموز الثورة الجزائرية وقاماتها ممن ضحوا بالنفس والنفيس من أجل أن تنعم الجزائر بالحرية والسيادة ، وكشفت القريبة أن جميلة بوحيرد تستعد لمطالبة الجهات المختصة لفتح تحقيق حول أملاكها وعقاراتها إن وجدت وتحقيق آخر مواز حول ما يملكه نظراؤها من المجاهدين لتفنيد ادعاءات الأوساط نفسها وذكرت قريبة بوحيرد أن وزير المجاهدين محمد شريف عباس لم يكلف نفسه عناء التنقل إلى بيت المجاهدة مكتفيا بإرسال موفد عنه يبلغ جميلة بوحيرد أن الوزارة مستعدة للتكفل بنفقات الإقامة في الخارج دون العلاج مشيرة أن بوحيرد رفضت عرض الوزارة لأن ما اقترح عليها لم يكن موازيا لقامتها وسمعتها . ولا تفهم الأوساط المتتبعة في الجزائر الصمت الذي يلتزمه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تجاه مرض جميلة بوحيرد وهو الذي يعرف عنه الجزائريون تفاعله الكبير مع الفئات التي خدمت وتخدم البلاد وتكفله في عدد من المرات وعلى حساب الرئاسة بتكاليف ومصاريف العلاج في الخارج لعدد من الشخصيات التاريخية والسياسية وعائلاتهم والمثقفين والكتاب . على صعيد آخر قرر اتحاد الأطباء العرب التكفل بعلاج بوحيرد . وقال الدكتور جمال عبد السلام مدير العلاقات الخارجية بالاتحاد في بيان إنه أجرى الاتصالات اللازمة لاستقدام المناضلة الجزائرية إلى مصر وعلاجها على نفقة الاتحاد، مضيفًا أن الاتحاد ينتظر ردًَّا من المناضلة على عرض علاجها باعتبارها رمزًا للنضال العربي ضد الاحتلال.