مع أنني أعرف لندن منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إلا أن زيارتي في عز صيف العام قبل الماضي خيل لي كما لو كنت أراها للمرة الأولى، بدت الأشجار المتزاحمة في معظم الشوارع وكأنها ترحيب عفوي بمختلف جنسيات السائحين ورجال الأعمال والفنانين والكتّاب الذين يجدون في صيفها ربيعاً لم يتراجع بعد.. الشوارع الأوروبية التي لم تعرب بعد عندما تنطلق فيها تحس جيداً أنك تدخل في حوارات سريعة مع ثقافات متعددة تراها في مواقع العروض التجارية والحدائق الصغيرة التي تفصل بين الشوارع ونوعية خدمات المقاهي وتعدد جنسيات المطاعم.. عندما عدت إلى سكني أوشكت ان استمع إلى خصومة حوار بين مدينتي الرياض ومدينة الأوروبيين الأولى.. لم يكن صعباً أن أقول أيهما الأفضل فقد استبدت بي عاصمة كل الموجودات من أرضي التي أحبها وعايشت تاريخها المذهل من قرية ما بين دروازة القري إلى دروازة دخنة.. إذا لم تخني الذاكرة.. وجدت أن الرياض فيها ما يذهل، لكن ذلك سوف يتأكد لو توفرت فيها الأشجار.. كتبت مقالاً حول موضوع أشجار شوارع الرياض وضرورة وجود حدائق.. نشر المقال طبعاً في اليوم التالي، وأجزم أنه قبل أن يقرأ المقال أي صديق في الرياض فوجئت بمكالمة صباحية من سمو الأمير سلمان الموجود وقتها في اسبانيا.. لم استغرب فهو يعتبر القارئ العربي وليس السعودي.. الأول.. ليس للصحف فقط ولكن لمعظم الثقافات، وبالذات ما يتعلق منها بأحداث التاريخ، فهناك جانب تميز فريد.. نعم فريد.. لأن معظم المسؤولين في عالمنا العربي يعطون الأولوية لوجهات نظرهم، الأمير سلمان.. رجل حوار لا فرض رأي.. أو خصومات.. قال لي: في الرياض مسافات خضراء كثيرة لكن ماذا نفعل إذا كان أنك من بيتك إلى عملك.. ويضاعف سلبية الأمر أن بين بيتك وعملك أقل من خمس دقائق.. وأضاف مازحاً: لكن حين تعود ستكون هناك طائرة هليكوبتر تريك مساحات الحدائق في جنوب وشرق الرياض وما يستحدث من تجديد تجميلي في غربه وشماله.. نحن الآن أمام منجزات كبيرة وليست كثيرة فقط في مجالي مدينة الرياض وكذا الرعاية الإنسانية.. إطلاق الرياض على أنها المدينة الأولى في رعاية المعاقين ليس بإنجاز سهل ولا هو مطلب خاص لخصوصية ناس، وإنما هو استجابة إنسانية واسعة لإنقاذ مدينتنا الكبرى بل مجتمعنا من أحزان العجز.. نمر أيضاً برعاية المصابين بالفشل الكلوي.. ثم مؤسسة رعاية الأيتام.. وكل ما يتصرف عن ذلك من أهميات.. في عالمنا العربي دائماً يختار المسؤول البارز جانب مساندة إنسانية واحداً.. إذا فعل ذلك.. ليجعله موقع بريق لشخصيته.. الأمير سلمان تتعدد وبإسراف مسؤولية وكرم مواقع اهتماماته الإنسانية.. الجانب الآخر يخص التحديث الجديد.. أو المرحلة الجديدة في تطوير المدينة وذلك بنشر الاخضرار في معظم الشوارع وهو انتشار محكوم بظروف الماء أي في نوعية الاختيار ثم تعرج على الانجاز الكبير في جنوبالرياض بما توسع به وادي حنيفة من تجديد وتطوير.. ومع ذلك نريد الوصول سريعاً إلى حل مشكلة الماء حيث بيوتنا لا شوارعنا أصبحت تعاني من هذا الواقع الذي لن يتوفر حله بين يوم وليلة..