المعلم كائن يفترض أن يكون رسولاً . إن من يتولى مهمة التعليم والتثقيف والتربية بأمانة وطنية وإنسانية ، هو -بالضرورة- مؤتمن على صناعة وعي الأجيال ، وصياغة عقولهم ، وترسيخ مفاهيم التفاعل مع الوعي الأممي ، وثقافات الشعوب ، واستيعاب التحولات والمستجدات والمتغيرات في هذا العالم الواسع ، وإخضاعها لتكون ممارسة وثقافة في ذهن الطالب ، مدعومة بصيغ الحوار المعقلن، والتصالح مع الآخرين في رؤاهم الفكرية ، والثقافية ، والحياتية ، والتقارب معهم من أجل إثراء الحضارة الإنسانية بمنجز العقل البشري ، وما يتوصل إليه في مجالات الخلق ، والابداع ، والابتكار . وكل ماسبق أهداف يسعى المعلم عبر وعيه كي يغرسها في الأجيال القادمة لتكون مؤهلة للقيام بأدوارها ، ومحصنة بالثقافة الواعية، والعلم المستشرف لآفاق المستقبلات المنتجة . أحسب أن هذه هي بعض رسالة المعلم ، وما عدى ذلك مما هو مترسخ في ذهن بعض المعلمين ونقول البعض فهو تسطيح وتجهيل ، وبلادة ، إن لم نقل إنه عمل مبرمج ومقونن لنشر ثقافة إقصائية واحدة ، ومحاولة شرسة لأخذ عقول الطلبة إلى أهداف وغايات لم تعد ملتبسة ، ولا خافية ، والطلبة في هذه الأعمار على استعداد كامل للتقبل ، وأخذ التوجهات الراديكالية دون فرز، ودون تمييز، ودون إخضاع لمعايير الفهم والوعي، والاجتهاد العقلي ، ووضع المسائل في سياقاتها التاريخية ، والظرفية ، والاجتماعية، وعدم تفريغها ، أو قراءتها بعيدا عن ذلك . وإنما يكون المعلم هو المؤثر ، والفاعل في مجمل المفاهيم . لقد عانينا ولانزال من بعض المعلمين الذين يقمعون التفكير ، ويصادرون العقل ، ويلغون الطالب إلغاءً كاملا ، ويحيلونه إلى أداة حفظ ، واستقبال رديئة لمفاهيمهم الإقصائية ، والعدوانية ، والتهميشية . وتوسيع دائرة العيب والحرام ، وأن هذا ليس من عاداتنا وتقاليدنا، وإن كان هذا التقليد وتلك العادة أصبحا إرثا ثقيلا لايتواءم ويتصالح مع معطيات العصر ومفاهيمه . نتذكر منذ زمن تلك المعلمة في إحدى المدارس التي خصصت حصة أسبوعية تجمع فيها الطالبات في ساحة المدرسة ، وتأتي بواحدة منهن وتميتها افتراضا ، وتجعل الطالبات يتعاقبن على غسلها وتكفينها ، لأن المعلمة تريد أن تخرج جيلا من البنات " مغسلات " للموتى ، ولم تراع السيدة الفاضلة أن البنات في عمر الورود " الجوري "، وأن هذا الفعل هو تشويه لنفسياتهن، وتأزيم لهن . أما مايحدث في مدارس الأولاد من شحن ، وتجريم ، وتحريض من بعض المعلمين , فهذه أحاديثه تطول وترعب وتعطي مؤشرات مخيفة لكل المستقبلات . لماذا هذا الكلام الآن ..؟ قرأت أن وزارة التربية والتعليم مشكورة كثيرا ستجري للمرشحين من المعلمين فحصا لتوجهاتهم الفكرية قبل تعيينهم، وهذه رؤية أكثر من رائعة لتحصين التعليم من أصحاب الفكر الظلامي الإقصائي التكفيري الذي اكتوى الوطن والمجتمع بتطرفه، وعقده، وإرهابه .