يوم أمس شخص الآلاف من الطلبة والطالبات إلى المدارس، مستقبلين عاماً دراسياً جديداً، حاملين أكداساً من الكتب، والمؤلفات، والمصنفات حيث يتكرس مفهوم الحفظ، وحشو الأدمغة بالقواعد، والنظريات، والمطولات من الشروحات، والتهميشات، لكن العقل مطلوب أن يبقى في المنزل، لا يغادره، ولا يبرحه. إذ أن الحاجة إليه منتفية داخل قاعات الدرس، والتحصيل الأكاديمي، فهو معطل، إن لم نقل ملغى تماماً. لا يسمح له بأن يعمل، أو يفكر، أو يخلق، أو يبدع. ولا مجال بأن يعمل في النقاش، والحوار، والقبول، والرفض، والتحليل، والوصول إلى مفاهيم جديدة، ورؤى مستشرفة، ومن ثم ينتج المعرفة، والتنوير، والثراء الفكري في كافة مضامين الحياة. مطلوب من الطالب والطالبة أن يتلقيا فقط، لا أن يوجدا لنفسيهما فضاء واسعاً من الإبداع، والحوار، والفهم. ومطلوب أن يحفظا المتون ويعيدانها بببغائية متميزة. ومطلوب أن يكون الكل في حالة من الاسترخاء العقلي، ويستفزا الذاكرة فقط. هذا هو السلوك، والفهم للتعليم والتربية في مدارسنا، وهكذا نعد أجيال المستقبل لمواجهة التحولات، والمستجدات، والمفاهيم المتطورة في العالم، نغيب العقل، ونعطل وظيفته، ونحتفي بمن يحفظ «الفية ابن مالك» مثلاً، أو «شرح ابن عقيل» أو «زاد المستقنع». لكن أن يناقش هذه المتون، ويفككها، ويشرحها، ويحاول أن يصل إلى مفاهيم جديدة، وأساليب مبتكرة في التعليم، ليكون على إلمام كامل بكل هذه المتون، دون أن يكون الحفظ هو الأساس والمبتغى والهدف، فهذا أمر غير وارد، إن لم نقل غير مرغوب. إن هذا المفهوم في نمط التعليم يكرس التبلد، والكسل، وتحويل الكائن البشري إلى آلة تتلقى وتردد، فيعيش الفرد منا على مفهوم أن تعطيل العقل، وتغييب عمله، وإبعاده عن كل صيغ الحياة هو ما يجب أن يكون. لقد وجد العقل قبل أن توجد كل الأيديولوجيات، وكل المفاهيم، والأفكار، وفضل الله الإنسان على غيره بميزة العقل، لذا فإن مصادرته في التعليم، والحياة العامة، والفكر، والشأن الحياتي والاجتماعي أمر يعد في خانة الجريمة. إذن: يجب أن نوجد المناخات للعقل كي يعمل، وينتج، ويبدع.