بالإشارة إلى مقالة د. خالد النويصر التي نشرت بجريدة «الرياض» السبت 18 ربيع الآخر 1431ه الموافق 3 ابريل 2010م العدد 15258 بعنوان: (محام يطالب بعدم تحديد سقف للعقوبات للحد من الأخطاء الطبية بالمملكة).. أود التعليق على تلك المقالة إيماناً منا بحسن أدائكم الطيب لرسالة الصحافة.. إيماءً إلى ما أوضحه المحامي والمستشار القانوني الدكتور خالد النويصر بمقاله من ان الأخطاء الطبية في المملكة وصلت إلى درجة كبيرة وغير مقبولة وهي في تفاقم وتزايد مستمر ولابد من التدخل العاجل لتطبيق عقوبات رادعة وقاسية ضد مرتكبيها. ونحن من جانبنا نؤيد ما انتهى إليه الدكتور النويصر في ذلك، إلاّ أنه لزاماً علينا ان نرد وذلك في عجالة عما يطالب به المحامي والمستشار القانوني الدكتور خالد النويصر. بداية يجب ان نوضح ان الأخطاء الطبية المقصودة في هذا المقام إنما ينصرف فقط إلى الأخطاء الطبية الجسيمة المبنية على (الاهمال أو التقصير) ولا تنصرف إلى الأخطاء الطبية المهنية العادية، التي يرتكبها الطبيب وطاقم الخدمة الطبية المعاون له - وإلاّ فإننا بذلك نضع حداً على ممارسة الطبيب يمنعه من مزاولة مهنته - أولاً: لم تال حكومة خادم الحرمين الشريفين جهداً في ذلك وأنشأت الهيئة الصحية الشرعية المتخصصة، بموجب نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بالمرسوم الملكي رقم: (م/59) وتاريخ 1426/4/11ه ونصت المادة (33) من هذا النظام على إنشاء الهيئة الصحية الشرعية وهي هيئة متخصصة تشكل من مستشار قانوني يعينه الوزير، وعدد من الأطباء، وحددت اختصاصاتها ونصت بالمواد التي تليها على كيفية عملها والقرارات التي تصدرها وكيفية الطعن على تلك القرارات. وعن المطالبة بتشديد العقوبة بزعم ان الحكم على من يخطئ طبياً ويؤدي إلى ازهاق روح إنسان، أو فقد عضو ترتبت عليه اعاقة جزئية أو كاملة، تُعد ضئيلة بالقياس مع النتيجة المترتبة على الأخطاء الطبية التي تمس حياة الإنسان. ونرد على ذلك ان حوادث السيارات وما أكثرها التي تحدث كل لحظة، توضح رعونة وعدم اهتمام قائد السيارة بأنظمة المرور وذلك لعلمه اليقيني بأن شركات التأمين تغطي الأضرار المادية والأدبية كافة التي لحقت بالمضرور مهما ترتب على ذلك من ازهاق روح إنسان أو فقد عضو ترتبت عليه اعاقة جزئية أو كاملة. ومع ذلك لم يصدر بشأن قائدي السيارات المهملين ثمة عقوبة جنائية لانتفاء نية القصد الجنائي في شأنهم. وهكذا يكون الحال مع الأطباء لعدم توافر في شأنهم القصد الجنائي عند ارتكابهم الأخطاء الطبية الجسيمة المبنية على (الاهمال أو التقصير). ثانياً: وفي حالة ثبوت ارتكاب الطبيب أياً من الأخطاء الطبية المهنية الجسيمة المبنية على (الاهمال أو التقصير) يجب ان تكون العقوبة منعه من مزاولة المهنة نهائياً، إذ ان هذا الطبيب الذي ارتكب خطأً مهنياً جسيماً أو اهمل اهمالاً فاضحاً، يكون قد فقد صدقيته للعمل، ومن ثم لا يطمئن المجتمع لمثله وعليه يمنع من ممارسة المهنة ولا يسند إليه أي عمل حكومي حتى يكون مثلاً للكافة. ثالثاً: وعن فرض عقوبة جنائية في حالة التعمد في الأخطاء الطبية (المبنية على الاهمال الجسيم أو التقصير) وفقاً لتقدير المحكمة متى ما ثبت التعمد، وحيث أنه لا يتوافر القصد الجنائي في شأنه وعليه يجب ان يتبع في شأنه ما يتبع في شأن قائدي السيارات عند ارتكابهم حوادث المرور على الطريق. ونتفق مع عناية الدكتور فيما انتهى إليه من إعادة النظر في التعويض وزيادته وذلك مراعاة للواقع الاقتصادي المتزايد في ظل التضخم المستمر، وبحيث يكون مبلغ التعويض المقضى به لصالح المتضرر جابراً للضررين المادي والمعنوي، وان يكون سقف التعويضات عن الأخطاء الطبية الجسيمة المبنية على الاهمال أو التقصير مفتوحاً وليس له حدود، حسب ما تقرره المحكمة المختصة وفقاً للحالة بعد الاستعانة بكوادر مؤهلة لتقدير حجم وفداحة الخطأ الطبي. أما عن التعمد فلا يستقيم ان يرتكب الطبيب خطأ عمدياً لانعدام توافر النية الاجرامية لديه، وان ثبت توافر القصد الجنائي في شأنه فهنا لا نكون بصدد خطأ جسيم، أو اهمال وإنما نكون بصدد جريمة. وبالتالي يحال هذا الطبيب إلى المحكمة الشرعية لارتكابه جريمة تتوافر فيها القصد الجنائي لانصراف نية الطبيب عن ارتكاب الأخطاء الجسيمة والاهمال وثبوت تعمده ارتكاب العمل المادي المكون للجريمة. كما ننوه إلى أنه قد سرى التأمين في شأن الأطباء عن الأخطاء الطبية التي قد يرتكبونها وعليه يتعين زيادة قيمة التعويض ليتناسب مع الأخطاء الطبية الجسيمة المبنية على الاهمال أو التقصير عند ازهاق روح إنسان أو فقد عضو ترتب عليه اعاقة جزئية أو كاملة. رابعاً: وعند ثبوت ارتكاب الطبيب لأي من الأخطاء الطبية (المبنية على الاهمال الجسيم أو التقصير)، يجب عزله عن العمل وعدم التصريح له بممارسة المهنة نهائياً. وأخيراً ننوه أنه طالما تحدثنا على خطأ طبي، فلابد ان يكون مرجعه الطبيب، إذ من غير المعقول ان يكون المريض أو المناخ أو مجموعة التمريض المساعدة والمعاونة قد سببوا هذا الخطأ الطبي، لكن يكمن الخلاف والاختلاف في نوعية وحجم الخطأ وهل هو جسيم يندرج تحت احكام النظام المشار إليه أم بسيط يتجاوز عنه؟ * محكم معتمد لدى وزارة العدل السعودية عضو اتحاد المحامين العربي