تعد الولاية من أهم شروط عقد النكاح بعد تعيين الزوجين، فلا يجوز للمرأة أن تتزوج بدون إذن وليها لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وفي رواية (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما أستحل من فرجها وان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ولا يعرف من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك، ولقد خاطب الله سبحانه وتعالى الرجال بتزويج النساء (وأنكحوا الأيامى منكم) لأن المرأة لا تعرف بطبيعتها حقيقة الرجال وتجهل أحوالهم. وكما أسلفنا فإن الشريعة قد اعتنت بحفظ الأعراض أكثر من غيرها، حيث يعد عقد الزواج من أخطر العقود التي يتعامل معها الإنسان في حياته، والولاية في النكاح في الأصل للأب ثم الأقرب من الأولياء من بعده ولا تظهر إشكالية ولاية النكاح غالبا إلا بعد وفاة الأب حين تبدأ النزاعات بين الورثة أو بسبب التناحر بين الأولياء في تقرير مصير الفتاة وعدم الاتفاق على ما فيه مصلحتها، أو مساومتها بنصيبها في التركة مقابل التنازل عن الولاية في النكاح لمن تريده، والمشكلة تكمن في أن من يتقدم للفتاة قد لا ينتظر اتفاق الأولياء في مثل هذه الحالة ومن جهة أخرى قد يبتعد الشاب عن الاقتران بالفتاة أمام المحكمة. وأعتقد أن قضية الولاية في النكاح من أكثر المشكلات الاجتماعية تعقيدا لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يتعلق بتعسف وظلم الأولياء ومنها ما يتعلق بالمرأة نفسها فكثيرا من الفتيات العفيفات الطيبات لا يرغبن في مواجهة أوليائهن في المحاكم وتفضل حياة الوحدة والعنوسة والأسى على بناء سعادتها على أنقاض خصومة وعداوة تلقي بظلالها على مستقبل حياتها وأسرتها، إضافة إلى أن بعض الشباب لا يرغب في مواجهة أسرة الفتاة أمام القضاء لأنها قد تكون بداية سيئة لحياة يفترض أن تكون سعيدة. ونخلص إلى أن الفتاة غالبا لا تجد من يقف معها في هذه المشكلة، وقد لا يلام البعض لأنه لا أحد يرغب في الدخول في نزاع بين الفتاة وأسرتها حتى من الأقارب، وأعتقد أن معالجة هذه القضية تحتاج إلى النظر في إيجاد جهة معنية بالإصلاح في القضايا الأسرية في إمارات المناطق يشرف عليها من يعرف بالأمانة والستر والحكمة في معالجة هذه الخلافات بخصوصية تامة تضمن للفتاة عدم الإحراج في مواجهة الأولياء وترفع الظلم عنها، وبفضل الله تعالى ستحل كثيرا من هذه القضايا قبل وصولها للقضاء لأن من الأولياء من لا يريد أن يزج اسمه أمام الحاكم الإداري في مثل هذه القضية، ومن يصر على ظلم موليته فستكون الإمارة أكثر حزما في التعامل معه وإحضاره أمام القاضي المختص، حتى لا تجد المرأة نفسها مرغمة على قبول الظلم أو التنازل عن بعض حقوقها مقابل ممارسة حقها الطبيعي في الحياة، وبالجملة ما أقسى أن تكون أبسط الأشياء هي آخر ما يحلم به الإنسان. *محامٍ