تعرضت صناديق المؤشرات المزمع طرحها في سوق الأسهم السعودية اليوم الأحد، لموجة من الانتقادات المالية والاقتصادية لجهة غياب مبدأ الشفافية وعدم قيام هيئة السوق المالية بتزويد المتعاملين من أفراد ومختصين بالمعلومات المطلوبة، وعدم إيضاح ما يؤكد جاهزية تداول والوسطاء المرخصين للتعامل مع هذا النوع الحديث من وسائل الاستثمار. ووصلت حدة الانتقادات إلى المناداة بوقف عملية الطرح لأول صندوق من صناديق المؤشرات المقررة اليوم، ومنع إدراجه في سوق الأسهم إلى أن يتم التأكد من شفافية عمل هذا الصندوق ودور صناع السوق فيه وتطمين المتعاملين بأن مدير الصندوق وغيره من المرخصين لن يحققوا أرباحاً غير مستحقة نتيجة قلة حيلة المتداولين من الأفراد. وتساءل الدكتور فهد الحويماني الخبير الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية عن أسباب طرح وسيلة استثمارية هامة ومعقدة مثل صناديق المؤشرات بدون نشرة اكتتاب، والزج بهذه الوسيلة في سوق ناشئ تبلغ نسبة الأفراد المتعاملين فيه من مجمل المتعاملين أكثر من 90% دون إطلاعهم حول مكونات الصندوق المزمع طرحه، أو ما هي الأسهم التي سيتم امتلاكها من قبل الصندوق، وتكلفة التعامل بهذا الصندوق، إلى جانب عدم تحديد عدد صناع السوق الذين سيقومون بإدارة تحركات الصندوق. وأضاف الحويماني "هل يعقل أن تقوم تداول وهيئة سوق المال بإدراج هذه الصناديق في ظل وجود عدد كبير من جوانب القصور والملاحظات الجذرية، وعدم قيام الهيئة بنشر أي ضوابط تشير إلى كيفية السيطرة على عمليات المراجحة (التي يطلق عليها آربتراج والتي تضمن بقاء سعر الصندوق مطابقاً لسعر الأسهم المكونة له)، أو كيف سيتم القيام بهذه العمليات في السوق السعودي، وهل يعقل ألا يتم نشر ما يؤكد سيطرة الهيئة وتداول على هذه الصناديق، بالشكل الذي يطمئن المتعاملين بأنها ستتم بشفافية وعدالة تامة، وألا تكون مجرد مجال مفتوح لجني الأرباح الباطلة من قبل الجهات المرخصة من الهيئة". وتابع "إن امكانية استغلال جموع المتعاملين من الأفراد وتحقيق مكاسب خيالية نتيجة انحراف سعر الصندوق عن القيمة الحقيقية له أمر وارد وممكن حدوثه في أي من هذه الصناديق في العالم، خاصة وأن صناديق المؤشرات ستطرح في سوق الأسهم السعودية الذي تمثل شريحة الأفراد فيه أكثر من 90% من المتعاملين". وأضاف "لا أعلم حقيقة سبب لجوء هيئة السوق المالية إلى المباغتة في إدراج صناديق المؤشرات، والتي نعلم تماماً أن الدول التي قدمتها قامت بذلك بعد أن أعلنت عنها بوقت كاف، وآخرها ما قامت به هيئة الأوراق المالية والسلع في الإمارات التي أعلنت عن هذه الصناديق قبل عام كامل، وشددت مؤخراً على الإسراع في وضع الضوابط اللازمة للترخيص والإشراف والرقابة والتفتيش وتحديد الرسوم والتزام الصناديق بالقوانين والأنظمة المعمول بها كشرط أساسي لقبول واستمرار الإدراج بالسوق، وخاصة تلك المتعلقة بالإفصاح وبحقوق المساهمين بما يضمن العدالة للمستثمرين في الإمارات، كما ان وزارة الاستثمار في جمهورية مصر العربية قامت بإصدار نظام في عام 2007م لمثل هذه الصناديق تضمن شروط وضوابط دقيقة شملت كيفية إنشاء الصندوق ورأس ماله ونشرة الاكتتاب ومحتوياتها ودور صناع السوق ودور أمين الحفظ، كما أصدرت لائحة مستقلة تنظم عمل صانع السوق وسمحت لهم التعامل بطريقة البيع على المكشوف (أو البيع المسبق)، الضرورية لإبقاء سعر الصندوق مطابقاً أو قريباً جداً لسعره الحقيقي". وذكر الحويماني ل"الرياض" أنه قام بعملية بحث وتقص ولم يجد مثل هذه الضوابط والشروط لدى هيئة سوق المال ولا تداول، كما ان نظام السوق المالية لا يغطي هذا النوع من الوسائل الاستثمارية، حيث انه يتحدث عن الأسهم والصناديق الاستثمارية التي تختلف تماماً عن هذه الصناديق، مضيفاً "هل علينا أن نثق بأن هيئة السوق المالية وتداول لديهم مثل هذه الضوابط وأن ننأى بالجهات المرخصة عن أي استغلال محتمل لضعف احترافية الأفراد". وقال الحويماني ان المفارقة العجيبة هي انه يمكن الحصول على معلومات كثيرة عن صناديق المؤشرات في الإمارات ومصر، بل حتى في سوق فلسطين للأوراق المالية، ولكن لن يجد أي مستثمر ما يفيد عن صناديق المؤشرات السعودية، عدا نشرة واحدة دعائية هي كل ما يمكن الحصول عليه، وهي النشرة التي على ما يبدو أنه تم إعدادها من قبل منشئ الصندوق، وليس من قبل الهيئة، لكن عدا ذلك فقط لا توجد إلا بعض الإعلانات التي صدرت مؤخراً من تداول تنبئ بقرب يوم إدراج هذا النوع من الصناديق، وخبراً عن ورشة عمل قامت بها تداول لشرح فكرة الصندوق لبعض الإعلاميين والمرخصين، إلى جانب عدم وجود ما يشير إلى أي من هذه الضوابط والتعليمات والإجراءات المطلوبة، ولا أي تطمينات عن قدرة تداول وهيئة السوق المالية للسيطرة عليها. وأضاف "كمثال لغياب المعلومات الجوهرية، فقد ذكرت النشرة الدعائية فيما يخص تكلفة التداول أنها مطابقة لتكلفة تداول الأسهم، ولم تذكر تكلفة إدارة الصندوق السنوية ولا غيرها من التكاليف، بل أشارت إلى أنه سيتم تحديدها من قبل مدير الصندوق وستوجد في نشرة الاكتتاب التي لم تصدر حتى الان"، مشيراً إلى أن مجمل التكلفة الإدارية لصناديق المؤشرات في أمريكا (والتي يتجاوز عددها مئات الصناديق) بحدود 0.90 في المائة في المتوسط، متسائلاً عن سبب غياب هذه المعلومة الهامة عن نشرات تداول، وعدم تطرق مدير الصندوق لها على الإطلاق، وعن ما إذا كان لدى الهيئة أي توجه لتحديد نسبة الرسوم هذه أم لا. وبالإضافة إلى هذه العمولة الدورية، قال الحويماني ان هناك مجالا آخر لتحقيق الأرباح وهو فتح الباب على مصراعيه للمرخصين وهو مزاولة عمليات المراجحة (آربتراج)، مبيناً أن عمليات المراجحة التي تتم هي عبارة عن متابعة لصيقة وآنية لحركة سعر صندوق المؤشر من قبل المرخصين من الهيئة، والقيام بعمليات بيع وشراء لأسهم الصندوق حالما يجنح سعره ببضع هللات عن سعره الحقيقي (صافي قيمة الأصل)، موضحاً أن الذي يحصل في الأسواق الدولية هو أن يقوم كبار المتعاملين (مرخصين وغيرهم) في حالة ارتفاع سعر الصندوق عن السعر الحقيقي بشراء الأسهم المكونة للصندوق فوراً من السوق واستبدالها بأسهم من أسهم صناديق المؤشر، ومن ثم بيعها فوراً بالسعر المرتفع، وتحقيق ربح خال من المجازفة، إلا أنه نتيجة لكثرة المحترفين في هذه الأسواق فمن الصعب تحقيق ربح كبير من خلال هذه الطريقة. لكنه قال ان الوضع مختلف تماماً في سوق الأسهم السعودي لأن من يملك القدرة على القيام بهذه العمليات هم فقط المرخصون ممن لديه الامكانات الفنية للقيام بذلك، إلى جانب تمتعه بتكلفة تداول متدنية (أو معدومة) للبيع والشراء. بمعنى آخر، لو أن أحد المستثمرين من الأفراد رغب في المشاركة في عمليات المراجحة هذه، فلن يستطيع تحقيق أي ربح بسبب ارتفاع تكلفة التداول عليه، لذا فإن المرخصين من الهيئة هم فقط من يملك القدرة على الاستفادة من ضعف مستوى الاحترافية لدى الأفراد في تحقيق أرباح طائلة لصالح المرخصين، لا سيما أن أنظمة تداول وهيئة سوق المال تكبل المتداول الفرد وترجح كفة المتداولين ، خاصة وأن العمولة على الأفراد عالية بشكل غير مقبول، كما ان وحدة تغير السعر المقننة تقف عائقاً أمام قيامهم بالبيع والشراء بسهولة. وتوقع الدكتور الحويماني أن يحقق هؤلاء المرخصون أرباحا عالية وغير مستحقة نتيجة عمليات المراجحة التي ستهطل عليهم قريباً، والتي سيذهب ضحيتها كثير من المتداولين، مؤكداً أنه من المفترض أن تكون هناك ضوابط لعمل صانع السوق تضمن قيامه المستمر بمنع انحراف السعر، والأهم من ذلك أن توضح الهيئة كيف ستكون على علم بما يدور في أروقة مدير صندوق المؤشر وصانع السوق، وكيف ستكون على علم ومعرفة بما يقومون به من عمليات يومية، وكيف يتصرفون بموارد الصندوق، كما انه من الضروري قيام تداول بنشر القيمة الحقيقية للصندوق بشكل آني طوال فترة التداول، وبذلك يمكن للمتعامل معرفة السعر الحقيقي قبل القيام ببيع أو شراء أسهم الصندوق. وطالب الحويماني من هيئة سوق المال وذراعها التنفيذي شركة تداول بإيقاف عملية طرح هذا الصندوق ومنع إدراجه في سوق الأسهم إلى أن يتم التأكد من شفافية عمله ودور صناع السوق فيه وتطمين المتعاملين بأن مدير الصندوق وغيره من المرخصين لن يحققوا أرباحاً غير مستحقة نتيجة قلة حيلة المتداولين من الأفراد.