ليس أصعب من أن تحاول أن تلم شتات الكلمة لحظة الصدمة.. إن تحدثت حينها غالبتك الغصص قبل العبرات . وإن صمتّ شعرت بأن ثمة أثقالاً تجثم على صدرك .. تكتم أنفاسك وتكاد تسلب منك القدرة على استنشاق الهواء إذ يتبادر لذهنك أن لا هواء . هذه اللحظات الجسيمات ربما لم يخل أحد من البشرية من أن تلفحه بلظاها وتصعقه بمفاجآتها وصدفها لذا فإن لحظة الموت هذه تظل عالماً غيبياً لايشعر به الإنسان بواقعه إلا إذا تجلى له في صديق أو قريب. بالأمس ترجل الاستاذ الكبير والأديب والإعلامي حامد حسن مطاوع رئيس تحرير جريدة الندوة وأحد أعلام المملكة العربية السعودية في مراحل التأسيس ومراحلها الذهبية التي ولدت من خلال تلك المرحلة صحافة اليوم والتي نعيش تطورها وحضورها اللافت. ترجل أستاذ الصحافة السعودية بعد أن ملأ جنبات تاريخ الإعلام السعودي بمنهجية صحفية تنويرية فكرية نذر عمره في إرساء قواعدها مع ثلة من الجيل الذهبي قل أن يتكرر أمثال تركي السديري وخالد المالك. حامد حسن مطاوع أستاذ الصحافة السعودية الأنيق .. ماذا عساني أن أقول عنه بعد أن شرفت بالتتلمذ علي يديه مايقارب عقداً من الزمن بدءاً من عام 1400 ه في مكةالمكرمة في جريدة الندوة التي كان يرأس تحريرها آنذاك .؟ ماذا اقول عن حامد مطاوع وعن مدرسته الصحفية التي لايماثلها مدرسة أخرى كونه يمثل منهجية مختلفة كانت فيه جريدة الندوة من أوائل الصحف في عهد رئاسته ولم تنهار إلا برحيله من الجريدة حيث لم تنفع كل محاولات العلاج لجسد الندوة الذي أصابه الهزال الشديد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. حامد مطاوع مثل في فترة رئاسته لجريدة الندوة شخصية رئيس التحرير الشاملة .. إذ كان يعد أنموذجاً للصحفي السياسي الفذ حيث كانت كتاباته السياسية ذات حضور نافذ على الشأن المحلي والدولي في زمن قلت فيه المعلومة عدا من الوكالات والمحطات الإذاعية .. ومع ذلك كنت تعجب وأنت تقرأ له من أين أستقى كل هذا الكم الكبير من المعلومات والوقائع السياسية التي تضمها مقالاته الأسبوعيه في طرح مسلسل ممتع لم أقرأ مثله من قبل سيما وأن الكتابة السياسية جافة العبارات إلا أنه ذو اسلوب فريد مميز وممتع . تلك المقالات السياسية كانت حديث المجتمع وكانت توضع تحت ميزان النقد والقراءة والمتابعة لعمقها وحضورها في الأحداث . ولقد حاولت كثيراً مع ابنه الزميل الإعلامي الدكتور أنمار مطاوع في العشر سنوات الماضية أن نلم جانباً من هذه الثمارالأدبية لمقالات والده على الاقل في جزئية من مقالاته – التي كانت مجزأة الى فقرات – والتي كانت تحمل عنوان "نستطيع أن نقول" .. وهو المنعطف الأخير في زاويته الأسبوعية .. وذلك لما تحمله هذه الجزئية من طرح أدبي ثر يمثل إضاءات للأجيال .. ولكن ربما كانت ظروف الدكتور أنمار لم تتح الفرصة لجمع هذا الكنز الأدبي الذي استمر الأستاذ حامد في نشره على مدار ربع قرن من الزمن . ولأن رئيس التحرير سابقاً - حامد مطاوع يعد أنموذجاً – يمثل في جهده وعطائه الصحفي عشرات الصحفيين تطبيقاً على أرض الواقع وعلى صفحات الجريدة فإن للاستاذ حامد مقالاً أسبوعياً آخر كان ينشر كل خميس تحت عنوان "المراقب المتنقل" وهو مقال من الندرة بمكان أن يتكرر مثله وذلك كونه يطرح باللهجة المكاوية ويتناول الشأن المحلي بأسلوب ساخر يحمل من الطرافة والعرض الأدب نسأل الله أن يتغمده برحماته الواسعات وأن يلهم أبناءه وبناته ومحبيه الصبر والسلوان .. وإنا لفراقك يا أبا أنمار لمحزونون. *المدير الإقليمي لجريدة الرياض بالمنطقة الشرقية