أعادتني الإذاعية الكبيرة الأستاذة (دلال عزيز ضياء) إلى الخلف لأكثر من (35) عاما..وأنا أشارك أسرة إذاعة جدة الاحتفاء بها ليلة أمس الأول تقديراً لجهودها المتواصلة في خدمة الإذاعة لمدة (48) عاما..تكللت أخيراً بالتقدير وأصبحت نائبة لمدير إذاعة جدة..ومديرة لإذاعة البرنامج الثاني.. ** أعادتني هذه السيدة الفاضلة إلى تلك الأيام الجميلة والى العشق الأول لي..قبل أن أمتهن الصحافة وأنخرط في العمل بها..حيث كنت أراسل من (جازان) مذيعين كبارا مثل (خميس سويدان..وعبدالرحمن قصاب وأديب ناصر..).. وأتداخل معهم في برامجهم الشيقة. ** ثم حين دخلت مبنى الإذاعة الفاره في ذلك الوقت..وأتعرف عن كثب على أساتذة كبار مثل (مطلق مخلد الذيابى..ومحمد عبدالرحمن الشعلان..ويحيى كتوعة) يرحمهم الله..ثم على الأستاذ الدكتور بدر حمد كريم..وعبدالله راجح..وعبدالله الشائع وحسين نجار وأحمد حريري وعبدالله باخيضر وأمين قطان..ومديري الإذاعة حسن خزندار..وحسين العسكري..وعدد من المذيعات الرائدات مثل (شيرين شحاتة رحمها الله) ونجوى مؤمنة ومريم الغامدي وسلوى الحجيلان..وغيرهم..وغيرهن.. ** في تلك الفترة كانت السيدة الفاضلة (دلال) تتلمس طريقها إلى المستمع بين ممارسة هواية التمثيل..وبرامج الأسرة..والأطفال..وبين أنشطتها العملية الخارجية الأخرى. ** وكنت أجد في صوتها رنة خاصة..تقترب إلى حد كبير من صوت والدتها (ماما اسما) أطال الله عمرها والتي رُبينا منذ أن كنا أطفالاً على صوتها الحنون كمقدمة لبرامج الأطفال.. ** كما كنت أجد في صوتها (المثقف) عمق صوت وفكر أبيها الأستاذ الكبير (عزيز ضياء) الذي خبر المايكروفون..واشتغل بالتأليف وبالصحافة وسعدت بالعمل معه متدرباً عندما تسلم رئاسة تحرير المدينة في تلك الفترة وغادرها بغلطة كاريكاتير.. ** وكما كنت أجد في تعاملها روح الفنان وشاعرية الإنسان وحنان الدنيا وكأنها تكتب بذلك قصة رومانسية جميلة لتخلدها في أذهاننا..كما خلدت مذيعين عرباً ومذيعات عربيات كبيرات تعودنا على سماع برامجهم بإذاعات القاهرة مثل فاروق شوشة..ووجدي الحكيم..وجلال معوض..وأحمد فراج..وكذلك (آمال فهمي) و(سامية صادق)و(نجوى أبوالنجا).. ** كل هذه الذكريات تداعت إلى ذهني وأنا أحضر حفل التكريم وأتصفح وجوه عشرات من الشباب والشابات اليافعات الذين تعج بهم إذاعة جدة هذه الأيام..كنتاج عظيم لهؤلاء الرواد بعطاءات الذين رحلوا..أو ابتعدوا..أو شاخوا أمثالي دون أن يذكرهم احد..أو يتذكر عطاءهم الجميل أي احد.مع كل أسف.. ** وكنت طوال هذه الاحتفالية أتأمل وجه هذه السيدة الفاضلة التي حفرت بأظافرها في الصخر على مدى زمن طويل لتصل في النهاية إلى المرتبة الثانية عشرة..وليس أكثر..وقلت لنفسي كم نحن قساة مع الرواد..والمكافحين.. **فعلى قدر علمي فإن هناك العشرات من المنسيين من الإذاعيين المتميزين وهم ما زالوا أحياء..ومع ذلك فإن أحداً لا يعرف عن أحوالهم..ولا يتذكرهم ..ولا يقدم لهم وردة حب..بل يعيشون بعيداً عن الأضواء..وقريباً من التجاهل والإهمال رغم ما قدموه للمجتمع من أحاسيس..ومشاعر..وما أمتعونا به من برامج..وجماليات..لا يمكن أن تفارق ذاكرتنا نحن الكبار..أما الشباب (الطالع) فإنه لا يعرف عنهم شيئاً..كما أنه لا يعرف كيف أن كلاً منهم أكل الحصرم..حتى يصل إلى ما وصل إليه..أو حتى نسيه الناس ولم يعد يذكره احد.. **فبكل الحب..أحيي السيدة الفاضلة (دلال) ** وبكل الرجاء أطالب معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي انتبه إلى هذه السيدة الفاضلة وأعطاها بعض ما تستحق..بأن يعيد إلى الأذهان صور كفاح الرواد.. ويحوط الأحياء منهم برعايته..ويوثق لمسيرتهم..جزاه الله عن الجميع ألف خير.. *** ضمير مستتر: **(لا يذكر المستحقين من الرواد..إلا من جُبل على الخير..وفُطر عليه).