صلتي بالإذاعة العريقة: إذاعة جدة تمتد إلى أكثر من خمسة وثلاثين عامًا مضت، بدأت حين كنت ما أزال طالبًا في مرحلة البكالوريوس في جامعة أم القرى (فرع جامعة الملك عبدالعزيز بمكة آنذاك)، وأقامت الإذاعة مسابقة لاختيار بعض المذيعين الشبان، وكنت واحدًا منهم مع مجموعة من الزملاء أذكر منهم عبدالعزيز السبيّل، وأحمد الطامي. وبعد تعييني معيدًا بجامعة الملك عبدالعزيز سنة 1398ه شاركت في عدد من البرامج الإذاعية والتلفازية، منها برنامج للمسابقات الثقافية في التلفزيون، كان يقدمه المذيع الشاب المتألق: عبدالله الشايع، وآخر يقدمه الإذاعي المخضرم أستاذ كثير من الإذاعيين السعوديين سليمان عبيد، أمّا أول مَن قدمني للإذاعة وشجّعني وأخذ بيدي فهو أستاذي العَلَم الأكاديمي والإعلامي الأستاذ الكبير عمر الطيب الساسي، أمد الله في عمره، وأحمد الله أن وفقني أن أكون عند حسن ظنه طوال هذه السنين في كل ما قدمته للإذاعة. ثم انقطعت عن الإذاعة سبع سنين في بعثتي لأمريكا، وما أن عدت بعد حصولي على الدكتوراة حتى عاودت نشاطي الإذاعي سنة 1407ه، حين كان الأستاذ الكبير حسين العسكري ما يزال مديرًا للإذاعة. وأذكر أن الأستاذ سليمان عبيد كان وقتها مديرًا لإذاعة نداء الإسلام، فقدمت للإذاعة على مدى عامين برنامج (العواصم الإسلامية)، ثم توالت البرامج بين لغوية وثقافية ودينية ومعرفية في إذاعات: البرنامج الثاني، ونداء الإسلام، والقرآن الكريم، والبرنامج الأوروبي باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وبلغت العشرات ولله الحمد والمنّة، مثّل كثير منها نواة لبعض كتبي ومؤلفاتي. عملت مع مديرين كرام بدءًا بحسين العسكري، ومرورًا بسليمان عبيد، وبكر باخيضر، ووصولاً إلى مدير إذاعة جدة الحالي الزميل الكريم الدكتور عبدالله الشايع، وتعلّمت من كل منهم فنونًا إعلامية وإذاعية عدة، واكتسبت مهارات في الإلقاء ما كان لي أن اكتسبها إلاّ من خلال المايكرفون الذي أحبه ويحبني. وعاصرت وجوهًا إذاعية مشرقة من الرجال والنساء بالعشرات، وجميعهم من أهل هذا البلد المسلم، لا أستطيع أن أحصيهم لكثرتهم، كما أخشى أن أقصّر في حق بعضهم، أو بعضهن فأُلام ويُعتب عليَّ. أقول وبالله التوفيق: إن إذاعة جدة تعدُّ ولا شك من أعرق الإذاعات العربية قاطبة، وإن لم تكن أقدم هذه الإذاعات، وقد قُدِّمَتْ فيها على مدى عشرات السنين تجاوزت نصف قرن برامج ومواد إذاعية لا تقل في أهميتها وجودتها إعدادًا وتقديمًا عمّا قُدِّم في إذاعات عربية لامعة كصوت العرب، أو إذاعة دمشق، أو بغداد، ومازلت أذكر كثيرًا من تلك البرامج، وبعض الأحاديث الإذاعية التي سجلت قبل أكثر من خمسين عامًا كأحاديث الشيخ علوي المالكي -رحمه الله- وبرامج إذاعية رائدة للأطفال قبل أكثر من خمسين عامًا كبرنامج بابا طاهر رحمه الله تعالى. وهذه الريادة والقيادة في الإعداد والتقديم والمهارات الفنية المتميّزة جعلت هذه الإذاعة في المقدمة في بلادنا الحبيبة، ومكّنت إذاعة جدة من أن تنال نصيب الأسد من الجوائز العالمية التي لا تُعطى إلاّ عن جدارة واستحقاق، ولا يجامل فيها أحد، وقد تابعت هذه الجوائز على مدى العقد الماضي ووجدت أن برامج إذاعة جدة حصدت معظمها. فقد نال برنامج (جدة بوابة الحرمين الشريفين وعروس البحر الأحمر) من إعداد سمير حبيب بخش، وتقديم دلال عزيز ضياء، وسعود الذيابي، وإخراج أحمد عسيري، نال البرنامج الميدالية الذهبية من المهرجان العربي الحادي عشر للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2003م. كما نال برنامج (وحي الريشة والقلم من أرض الحرم) عام 2005م الميدالية الذهبية من المهرجان العربي الثاني عشر للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005م، وهو من إعداد سمير حبيب بخش، وتقديم سعود الذيابي، ونجوى مؤمنة، وإخراج أحمد عسيري. ونال معد البرنامج سمير حبيب بخش عن نفس البرنامج الجائزة الذهبية للنص المتميز في المهرجان نفسه، كما نال برنامج (لا للإرهاب) الميدالية الذهبية من مهرجان الخليج التاسع للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بمملكة البحرين عام 2006م، وهي أول ميدالية ذهبية للإذاعة السعودية من مهرجان الخليج، إضافة إلى برامج عدة نالت ميداليات ذهبية وجوائز للنص المتميّز مثل برامج: (تسالي العصاري)، و(مساء الابتسامة)، و(تاج الأصحاء)، و(أعراس رياضية)، إضافة إلى ميداليات فضية وبرونزية عدة من مصر والأردن وتونس والبحرين وسواها. ومعظم هذه البرامج من إعداد سمير حبيب بخش، إضافة إلى يحيى باجنيد، وأمل سراج، ومحمد العماري، وسواهم، ومازالت هذه الإذاعة الكبيرة تعطي الكثير، وأنا على ثقة من أنها ستشهد نقلة نوعية كبرى بعد انتقالها إلى مبناها الجديد قريبًا جدًّا -إن شاء الله- في ظل متابعة معالي الوزير المثقف الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، الذي يولي هذه الإذاعة كل حرصه واهتمامه، وبإدارة الإعلامي القدير الدكتور عبدالله الشايع، ومؤازرة فريقه المتميّز.