في هذا العالم المضطرب إلى حد الجنون، المجنون حتى الرعب، المسكون بالتشوهات، والأوجاع، والداءات، المقتات أحقاده، وكرهه، وتشوهاته، ورعب الشرور في داخله، ليس أمام الإنسان ما يهرب إليه، ويكون مسكّناً لعذاباته، مقطّباً لجراحاته إلا القراءة والبحث عن الجمال والسكينة والهدوء من خلال الحرف الجميل، والفكرة الواعية، واللغة المموسقة، وجميعها تنتشل الكائن من بؤر التوتر، وقيعان اليأس. القراءة فضيلة مبهجة إلى حد الانتشاء والفرح، وقداسة تتطلب طقساً جميلاً تدخل فيه ومنه إلى عوالم وفضاءات ثرية بالمعرفة وامتلاك العالم بثقافاته، ورؤاه، وتطلعاته، وأهدافه، وفكره ، وهي حالة انعتاق من البلادة، والتخلف، والعفن الذي يحيط بالإنسان في مجتمعات تنتج الجهل، وتتناسل الأفكار المحبطة التي أخرتنا قروناً من الزمن، وطبعت حياتنا بالخوف والجبن من كل جديد حياتي، أو إنجاز حضاري علمي، أو استنتاجات فكرية عمل العقل فيها ومن خلالها على قراءات جديدة ناقدة لمضامين الإرث الثقافي، والموروث المسلكي. القراءة حالة وعي، وحالة تكوين، وحالة ولادة وصياغة إنسان ومجتمع ورؤية، وأهداف، وغايات. إنها ليست ترفاً، وليست برجزة، ووجاهة، وإدعاءً. إنها معاناة تُخضعك إلى أن تعي كونك إنساناً تمارس التفاعل مع هموم الناس، والحياة، وتحولك إلى كائن منتج، شفاف، قادر على أن يكون محباً، متعاطفاً، وفي حالة طهر من أوبئة الحسد، والحقد، والكراهية، ورفض الآخرين إن بسبب أفكارهم، أو أعراقهم، أو مذاهبهم، وإن بسبب ما يمتلكون من أدوات معرفية وثقافية وفكرية يتميزون بها في أعمالهم وممارساتهم المهنية والعملية. والكتابة - أيضاً - هي نتاج القراءة الواعية، وهي - أيضاً - حالة رغبة في أن يقول الإنسان رأيه في الناس، والحياة، والأحداث، وما يدور حوله في هذا الكون الواسع. لم أكن أعرف مدى فجيعة الإنسان عندما يكون غير قادر على القراءة والكتابة إلا عندما أجريت عملية قبل أسبوعين في عيني. وتحولتُ إلى هامش لا أعرف ماذا يجري حولي، وفي محيطي الاجتماعي. وكانت تجربة قاسية مُرة مزعجة ومؤزمة. كنتُ في هذا الوضع أفكر في المفكر الليبرالي الرائع صديقي الأستاذ محمد علي المحمود الذي أجرى نفس العملية بعدي بعشر دقائق، وأفهم جيداً معاناته وهو في حالة بُعد عن الكتاب والقلم. يا صديقي الجميل .. كيف عشت أيامك؟؟