ماذا تنوي إيران من الاعتداء على حقل «الفكة» النفطي العراقي؟ هل جاء التصرف كمقدمة لفعل أكبر، وهي التي على لسان مسؤوليها لا تخفي أطماعها في العراق، سواء من خلال من يصنعون طابوراً خامساً من العراقيين لها، أو القيام بأعمال عسكرية، تسبقها مقدمات لخلق فوضى، وتسريب قوى سرية تكون سنداً لها في أي عمل عسكري؟ لقد كان شاه إيران يعلن في كل مناسبة أن التبعية التاريخية للعراق كجزء من إيران هي جزء من خيار مطروح لأي تصرف يسعى لاستغلاله، وكانت أمريكا زمن الحرب الباردة تريد كسر شوكة تلك الحكومات اليسارية ولو بالتهديد من جار قوي بحجم قوة الشاه في تلك المرحلة، غير أن التفسير الآخر للهجمة الإيرانية، ربما لتغيير مسار أوضاعها الداخلية بنقل همّ أكبر للخارج، أو أنها تريد اختبار نوايا أمريكا كمحتل للعراق، وكيف تتصرف قواتها مع حالة كهذه، كاستدراجها إلى معركة أخرى؟ الجانب العراقي ضعيف ومشتت الهوية والفكر، ولعل الانقسامات التي تجري داخل محاور الحكومة، والأحزاب، والقوى الدينية والقومية، تعطي إيران الرغبة في خلق إشكال سياسي وأمني في حال احتلت تلك المواقع النفطية المهمة.. المشكل في المنطقة أن عملية الاستقواء على خصم أضعف، بدأت بتهديدات عبدالكريم قاسم للكويت، وكان لابد من تواجد قوة عربية تدافع عنها، ومع صدام حسين حصل الاجتياح والاحتلال، لكن بذرائع أن الكويت هي المعتدية على سحب النفط من الآبار العراقية، وهي مسألة تقنية لم يُحسم أمرها بشكل صحيح، وإنما جاءت ذريعة لصدام لأن يغامر بدعوى ضم الكويت كجزء من العراق، وإيران يمكنها اتخاذ نفس الذرائع بأن حقل (الفكة) من المواقع المتداخلة في حدود البلدين وبالتالي فالمسألة خاضعة لتداول الأزمة دبلوماسياً، وتحت هذا الغطاء يمكن التصرف بمبدأ الاحتلال كأمر واقع.. هنا كيف سيتعامل العراقيون مع الموقف أمام انتهاك سيادة وطن، هل تخضع تداولات القضية إلى مساومات، مع إيران وضد الوطن، أو العكس؟ وفي حال استمرت الخلافات فقد تفجر حروباً داخلية تستغلها إيران بالتدخل في عمق العراق، وهنا لابد من وضوح الرؤية، أي لا تصبح المزايدة على وطن لصالح المذهب قوة دفع باتجاه خصم لديه رؤيته وأطماعه.. المجتمع الدولي، وخاصة أمريكا، قد لا تكون مستعدة لمغامرة عسكرية تحرر أو تحمي بها نفط العراق، وإن كان الهدف من الغزو، أساساً، هو الأطماع بالثروة النفطية العراقية، لكن لو تطورت الأمور إلى الأسوأ، فالخيارات قد تكون مفتوحة على الاحتمالات، ولعلها بداية تصعيد خطيرة، أو ربما تكون خطوة تدفع بطرفيْ القضية في الداخل العراقي للحوار السري حول مستقبله، وطالما لا يؤمَن جِوار السياسة في تقلباتها، فقد تأتي صفقات من الخلف لن تكون في صالح العراق، ولا المنطقة، والرهانات على دولة محتلة عرّفتنا خلال العهود الاستعمارية أن فلسطين ذهبت بصفقة، و«سايكس - بيكو»التي قسّمت الوطن العربي جاءت لنفس الأهداف وقد تتكرر مع العراق..