في الكون آيات عظيمة، وكائنات مختلفة، ونظام دقيق لا يتغير ولا يتبدل، كل كائن يؤدي دوره، وكل شيء وجد في هذا الكون له علاماته ودلالاته، التي تدل اولا وأخيرا على عظمة خالق هذه الكائنات ومدبرها، ومصرفها، وما أودعه فيها من عظيم صنعة، وحكمة وإبداع. وهذا التَّفكر في المخلوقات يتجلى فيه الإيمان بالخالق جل وعلا، الذي أحسن كل شيء خلقه, وخلق الإنسان من طين، وسخَّر جميع الكائنات من أرض وسماء، وليل ونهار، ونجوم وأقمار، وماء ونبات, وشمس ورياح، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى، وفي ذلك يقول أبو العتاهيه متعجِّبا من أنه كيف يُعصى من أبدع تلك الكائنات وخلقها بحكمة، فيقول: أيا عجبًا كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد؟ ولله في كل تحريكةٍ وتسكينةٍ أبدا شاهد وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه الواحدُ وشاعر آخر يطلب التأمل في واحدة من تلك الكائنات الكثيرة وهي الأرض لينظر إلى استوائها واتساعها، ومافيها ظلال وارفة، ورياض خضراء وأنهار جارية، وعيون متدفقه تجود بالخيرات وفي ذلك يقول الشاعر ابو نواس : تأمل في رياض الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ عيونٌ من لُجينٍ شاخصات بأحداق هي الذهب السَّبيكُ على قُضب الزَّبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريكُ فهذه الآيات تدل على وحدانيته، وأنه لاشريك له في ملكه، فهو الذي خلق العباد، وهيأ لهم أرزاقهم، ويسر لهم معايشهم، وآتاهم من كل ما سألوه، وهو تعالى الذي يعطي ويمنع، ويبسط ويقبض، ويعز ويذل، ويتجاوز عن السيئات، ويغفر الخطيئات، وفي ذلك يعبر أبو العتاهية عن تلك المعاني الإيمانية فيقول: سُبحان من يُعطي المنى بخواطر في النفس لم ينطق بهن لسانُ سُبحان من لا شيء يحجب علمه فالسر أجمع عنده إعلانُ سُبحان من هو لا يزال مُسبَحًا أبدا، وليس لغيره السبحانُ سُبحان من تجري قضاياه على ما شاء، منها غائب وعيانُ سُبحان من هو لا يزال ورزقه للعالمين به عليه ضمانُ وهو تعالى الذي يدبر الامور، ويصرفها بحكمته وقدرته، وكل شيء له أجله ومقداره، وتحوله وقراره، وهو ما اختص به علم الله جل وعلا، الذي إذا سأله عباده أجاب، فهو قريب منهم، مجيب لتضرعهم وندائهم، وذلك ماعبر عنه أبو العتاهية في قوله: يُدبِّر ما نرى ملكٌ عزيزٌ به شهدت حوادثه وغابا أليس الله من كل قريبا؟ بلى، من حيث ما نُودي اجابا ولم تر سائلًا لله أكدى ولم تر راجيًا لله خابا ويقول في قصيدة أخرى: أأُخيَّ، إنَّ الخلق في طبقاته يُمسي، ويُصبح للإله عيالا والله أكرمُ من رجوت نواله والله أعظم من ينيل نوالا ملكُ تواضعت الملوك لعزِّه وجلاله، سبحانه وتعالا فهذه المعاني الشِّعريَّة تدل على وحدانيَّة الخالق جلَّ وعلا، وأنه المستحق للعبودية وحده دون سواه، وإليه يُتقرَّب بالتَّسبيح والتَّحميد، والتَّهليل والتَّكبير، والتَّعظيم والتَّقديس، فهو سبحانه قريب مجيب الدُّعاء. *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية.