الابتهال هو التضرع إلى الله والاجتهاد في الدعاء وطلب المغفرة، ومن غير المستغرب أن تكون قصيدة الابتهال من أرق قصائد الشعر الديني لغة وأصدقها عاطفة، فهي لا تولد إلا في لحظات الصفاء الروحي، وفي لحظات التأمل والتفكر والوقوف مع النفس، وفي تلك اللحظات يكون الشاعر معنياً أو مشغولاً بنفسه وبنقائصها، وبما قدم لآخرته أكثر من انشغاله بالآخرين أو بأمور تتعلق بالحياة الدنيا؛ وبالرغم من تعدد نماذج قصيدة الابتهال في الشعر الشعبي يلاحظ اشتراك الكثير منها في أبرز الخصائص أو السمات التي تقوم عليها قصيدة الابتهال، كالتضرع لله عز وجل بأسمائه وصفاته، والتعبير عن الخضوع والتذلل له، والإقرار بالمعاصي والذنوب، والتعبير عن الندم والخوف من عذاب جهنم ومن أهوال يوم القيامة.ومن القصائد الابتهالية المتميزة في الشعر الشعبي قصيدة (سجد قلبي) أو (مناجاة) كما سماها الشاعر المبدع نايف صقر في ديوانه، ويستهلها الشاعر ببيت غني بالصور الإيمانية البديعة: سجد قلبي على رمل الضلوع وهزه التنهيد وأنا في قلبي خيام الندم والخوف منصوبه يا رب افهق هلاكي والمنايا والدروب بعيد ما دام المودماني للتراب تقوده دروبه يا غيّاث الظوامي والثمام وجرهدي البيد أعذني من جهنم والحشر والموت وكروبه أنا مانيب لا مشرك ولا فاسق ولا عربيد أنا اللي لا عصى وأخطا تجهم وأقلقه ثوبه أنا عبدك ولد عبدك وجداني هل التوحيد خطاياي اخجلتني يالله الغفران والتوبه وأنا اللي يرتجف مثل ارتجاف الخايف الرعديد إذا شاف القبور الضيقات وحس بذنوبه أنا الإنسان حمّال النقايض والكمد والكيد غريق الطين واللذات من راسه لعرقوبه أنا عبدك يا ربي وأنت تفعل ما تشاء وتريد سألتك يالله العفو العظيم وهون دروبه ويُقر الشاعر فراج بن فهد الدوسري في قصيدة (يافارج الأبواب) بتقصيره وبعظم ذنوبه، وبإتباعه لهوى نفسه، ويستعيذ بالله من النار ومن الأسباب الموجبة لدخولها: يالله يا فارجٍ لأيوب فالضيق يا منقذٍ نوح وأقوامه غريقه يا رب أنا ذنوبي أمست كنها طويق اكنّها وأنت تعلم بالحقيقه يا رب من لي ليا من وقّف الريق في سكرة الموت .. والنزع وشهيقه مالي سواك أنت يا رب المخاليق ترحم ضعيفٍ نشف حلقه وريقه لك تسجد جباهنا خشية وتدنيق من خوف يومٍ تضيع إبه الخليقه يشيب فيه الرضيع وصدره يضيق والناس تسكر من أهوالٍ وضيقه يا رب عطفك ولطفك والتوافيق عِذنا من النار وأسباب الحريقه ما تقدر عظامنا لفحة وتحريق ونفوسنا لشوفة الجنة شفيقه ومن القصائد الابتهالية التي تستحق الإشارة إليها قصيدة (يامالك الملك) للشاعر تركي الميزاني، وقد صوّر فيها الموت وعالم البرزخ ووحشته، والحشر وأهوال يوم الحساب، ولكن أجمل أبيات القصيدة هي الأبيات التي يُقتر فيها الشاعر ويعترف بإفراطه في ارتكاب المعاصي وتسويفه للتوبة: يا خالق الخلق يا محصي الخطا والصواب تعالت أسماك مالك في صفاتك خشير يا محيي الأرض بأمرك من حمول السحاب يا عالمٍ بالحياة وما يؤول المصير يا رب رحمتك لا هلّوا علي التراب وأصبحت مالي من الوحشة مفر ومطير ودخلت في عالم البرزخ وطال الغياب وفارقت كل القرايب والأهل والعشير يا رب حملت نفسي بالشقا والعتاب ومديت حبل الخطا لإبليس وأصبحت أسير وطاوعتها في متاهات الوهم والسراب لين إشبكتها الخطايا شبك .. والنفس طير أزل وأقول أنا توي بسن الشباب واليا نصحني محب أقول توي صغير ما كنت أحسب لوقتي والليالي حساب ولا كنت أفكر وش اللي في زماني يصير إلا بعد ما انتصفت العمر والراس شاب وفقدت من ربعي الأدنين جمعٍ غفير عرفت بإن الحياة مصارعة واكتئاب وإني مودع ولا لي غير ربي نصير هذه بعض النماذج الإيمانية المشرقة لقصيدة الابتهال، وهي نماذج تستمد إشراقها وجمالها من صدق وحرارة عاطفة الشاعر المؤمن في بوحه لخالقه، وتصويرها البديع لمشاعر يمتزج فيها الرجاء والتسليم بالخوف والندم.