لا تكاد ترى لنهايتها مدىً .. الحقيقة بأن الاستراحة المسترخية بدلال على ضواحي الرياض .. جنة للمتأملين .. بالذات .. مع نسمات تلك الليلة الخريفية الساحرة .. والمجلس يغص برجال الأعمال .. النافضين عن أكتافهم .. تعب حياة المال والأعمال .. ولكن مهلاً .. متى كان رجل الأعمال .. ينفض المال عن كتفيه ..؟! تلك الليلة كان الحديث .. متصلاً عن كل شيء .. وبكل شيء .. ( أ ) .. مستغرق في حديث مسترسل مع جاره ( ف ) عن السوق التجاري .. وقد سمع طرفاً من حديث عن نية ( ف ) لبيعه .. واستعداده شخصياً للشراء متى ما أراد .. من كان يسمع تفاصيل حوارهما عن بعد .. من طريقة السداد .. وموعد الدفعات .. ونحوها .. كان يظن .. لولا ما حدث لاحقاً .. نفاذ البيع والشراء في حقهما .. ( أ ) أقام دعواه أمام المحكمة جاهداً ليمضي البيع وفق شهود الحال الذين حضروا جزءاً مهماً من حديثه .. ( ف ) يعمل جاهداً في دفوعه .. لإقناع فضيلة القاضي ناظر القضية .. برجوعه عن البيع ضمن خيار المجلس .. قبل قيامه وتفرقهما منه .. كما دلّ على ذلك الشرع. سن الشارع الحكيم العديد من الحلول الناجعة في معاملات المسلمين، موجداً في الوقت نفسه خط رجعة لمن رأى في نفسه استعجالاً في عقد صفقة أو إمضاء بيعة، ومن ذلك خيار المجلس ، حيث اعتبر لكل واحد من المتعاقدين حق فسخ العقد ، أو إمضائه ما داما في مجلس العقد ، فإن افترقا لم يكن ، لأي منهما حق فسخ العقد بعد ذلك ، وذلك في ضوء قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعاً ، أو يخير أحدهما الآخر ، فإن خير أحدهما فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع وجب البيع ) . ومعنى خيار المجلس ، أنه إذا بيعت سلعة ، فإن للبائع والمشتري حق فسخ العقد ماداما في المجلس ، حتى يفترقا ، فكأن العقد بينهما مفتوح ، حتى يخرج أحدهما من المجلس ويتفرقا بالأجساد عن بعضهما . فإن أراد المتبايعان أن يمضيا العقد على الفور ، فهناك طريقتان لإنهاء خيار المجلس : الأولى : أن يفترقا بالأجساد عن بعضهما فيخرج أحدهما من المجلس. والثانية : إسقاط شرط الخيار في العقد ، فيقول أحدهما تبايعنا ولا خيار ، فإن رضي الآخر سقط الخيار . مع العلم بأن خيار المجلس يسقط بأُمور أَربعة : - الأوّل : اشتراط سقوطه في نفس العقد : يسقط خيار المجلس باشتراطه في متن العقد لقوله ( صلَّى الله عليه وسلَّم ) : « المؤمنون عند شروطهم إلا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً. - الثاني : الإسقاط بعد العقد : خيار المجلس كسائر الخيارات التي شُرِّع لصالح صاحبه ويعدّ حقّاً له فله أن يتقلّب فيه كيفما شاء. - الثالث : الافتراق : قد تضافرت أقوال العلماء على سقوط خيار المجلس بالافتراق ، لكونه كاشفاً عن الرضا بالبيع غالباً. - الرابع : التصرّف في المثمن أو الثمن : فالتصرّف في المبيع دليل عرفي على رضاه بالبيع ، وسقوط خياره مطلقاً . ومدار الحديث شرعاً في خيار المجلس قول العلامة ابن القيم رحمه الله : ( في إثبات الشارع خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين، وليحصل تمام الرضا الذي شرطه تعالى بقوله: "عن تراضٍ منكم"، فإن العقد يقع بغتة من غير تروٍّ ، ولا نظر في القيمة ، فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد حرماً ، يتروى فيه المتبايعان ويعيدان النظر، ويستدرك كل واحد منها ). فاحرص على أن تتأمل قبل أن تفارق مجلس الصفقة..؟! *الباحث في أنظمة العقار