لم تصدق جيسيكا دانجن عينيها عندما ركبت حافلة عامة متجهة من واشنطن إلى مدينة نيويورك. فلم تشعر هذه السيدة التي تبلغ من العمر ثلاثين عاما بأي قدر من الأمان عندما راقبت تصرف السائق، فقد قام في البداية بالثرثرة عن طريق هاتفه المحمول دون أن يستخدم سماعات الأذن بينما كان يمسك بعجلة القيادة بيده، وبعد ذلك عندما توقفت الحافلة لفترة قصيرة على الطريق لاحظت دانجن أن السائق يحمل حقيبة مملوءة بمشروبات طاقة وشطيرة جبن وظل يتناول الشطيرة بكلتا يديه بينما كان يسيطر على عجلة القيادة بمرفقه. ووصفت دانجن هذه التجربة التي مرت بها في مقال نشرته مؤخرا بصحيفة واشنطن بوست وقالت فيه إنها شعرت بدرجة بالغة من الاستياء لدرجة أنها قررت أن تعود إلى واشنطن عن طريق القطار. غير أن تناول الطعام والشراب أثناء قيادة السيارات من الأمور المألوفة في الولاياتالمتحدة وأحد أسباب ذلك هو أن الكثير من الأشخاص يضطرون إلى قيادة سياراتهم لمسافات طويلة للوصول إلى مقار أعمالهم، وينطبق نفس الشيء على استخدام الهاتف المحمول حيث يتحدث الكثيرون في هواتفهم أثناء قيادة السيارات. وتشير تقديرات الهيئة القومية لسلامة النقل على الطرق السريعة إلى أن نحو 812 ألف سائق يستخدمون الهواتف المحمولة أثناء القيادة في نفس التوقيت أي بنسبة 11 في المائة من جميع السيارات المنطلقة على الطرق، بينما توضح دراسة أجرتها جامعة فرجينيا للتكنولوجيا أن مخاطر وقوع حادث تفوق بنسبة 23 في المائة عندما يقوم سائق السيارة بإرسال أو قراءة رسالة نصية على الهاتف المحمول، هذه المخاطر لو لم يكن ذهنه معرض للتشتت. وثمة مجموعة من القيود على استخدام الهاتف المحمول أثناء قيادة السيارات على الطرق الأمريكية، وتطلب سبع ولايات أمريكية بالإضافة إلى العاصمة واشنطن من سائقي السيارات استخدام سماعات الأذن عند التحدث في الهواتف المحمولة، بينما حظرت 18 ولاية أمريكية إلى جانب العاصمة واشنطن إرسال أو قراءة الرسائل النصية على الهواتف أثناء القيادة، وهناك ولايات أمريكية أخرى فرضت حظرا جزئيا غير أنه في معظم أنحاء الولاياتالمتحدة قد يتحدث سائقو السيارات في هواتفهم المحمولة أو يستخدمونها في إرسال رسائل نصية دون الخوف من تعرضهم للمحاسبة القضائية. وكانت دول أخرى قد فرضت قيودا على استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة منذ سنوات، وعلى سبيل المثال حظرت ألمانيا هذا الاستخدام منذ عام 2001. ومع ذلك ظهر اتجاه متزايد في الولاياتالمتحدة لفرض قيود أكبر بعد وقوع العديد من الحوادث المرورية الخطيرة الناتجة عن استخدام قائدي السيارات للهواتف المحمولة أثناء القيادة، وأشارت دراسة أعدها مركز تحليل المخاطر بجامعة هارفارد إلى أن استخدام السائقين للهواتف المحمولة يسهم بما نسبته 6 في المائة من جميع الحوادث التي تقع على الطرق والسكك الحديدية الأمريكية، وبتحويل هذه النسبة إلى أرقام يكون الناتج نحو 636 ألف حادث ينتج عنها وقوع 342 ألف مصاب و2600 حالة وفاة. وثمة مثال مأساوي يوضح ذلك وهو الحادث الذي وقع في أيلول/ سبتمبر عام 2008 عندما اصطدم قطار ضواحي بمدينة لوس انجليس بقطار للبضائع مما أسفر عن مصرع 25 شخصا، واعترف سائق قطار الضواحي بأنه بعث برسالة نصية على جهاز هاتفه المحمول قبل دقيقة من وقوع الحادث مما شتت انتباهه عن رؤية علامة حمراء وأربع إشارات تحذير. وفي حادث آخر يتعلق بالنقل العام قال قائد إحدى حافلات التروللي في بوسطن إنه كان يكتب رسالة نصية عندما اصطدمت حافلته بحافلة أخرى مما أسفر عن إصابة عشرات الركاب. وفي السابع من تشرين أول / أكتوبر الحالي أعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن قلقه إزاء استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة وذلك عندما أصدر أمرا يحظر على الموظفين الفيدراليين في الولاياتالمتحدة كتابة رسائل نصية على هواتفهم المحمولة أثناء قيادة مركبة حكومية، ويقضي هذا الأمر بأن يمتنع الموظفون في الإدارات الحكومية عن كتابة رسائل نصية أثناء قيادتهم سيارات حكومية أو سياراتهم الخاصة عندما يكونون في طريقهم لإنجاز مهام حكومية، كما يحظر الأمر على الموظفين استخدام الهواتف المحمولة التي تصرفها الحكومة لهم أو أي جهاز حكومي آخر أثناء قيادة أية مركبة.