العم فهد بن عبدالعزيز بن عجلان العجلان غفرالله له وأسكنه فسيح جناته عاش حياته كاملة في زهد وورع، فقلما أن تجد إنساناً أمضى حياته كاملة لايعرف منها سوى المسجد الذي كان يمضي فيه وقتاً طويلاً إلى أن كاد أن يكون داره الأولى التي يلقاه الناس فيها والقرآن الذي كان بمثابة رفيقه الذي لم يفارقه، فقد أمضى عمره البالغ خمسة وتسعين عاماً في طاعة الله، علماً بأنه من أسرة اشتهرت بالعمل بالتجارة منذ القدم وحتى الآن، فلم يكن ينقصه الدراية أو التوجيه في حياته بل قد اتخذ منهجاً مختلفاً عن الآخرين فقد فرَّغ نفسه وكل أو قاته للعبادة فلعلي أستطيع أن أوضح للقارئ الكريم بأني لا أبالغ في وصفي لحقيقة حياته فقد عرف عنه أنه لايهتم بما يملك أو يرتدي من لباس أو أين يسكن، بل كانت قرة عينه في الصلاة وقراءة القرآن سواء في المسجد أو البيت وذلك منذ صغره وشبابه وحتى بعد أن كبر وأصبح شيخاً كبيراً، وأعماله كثيرة ومن آخر أعماله رحمه الله أن ختم القرآن الكريم كاملاً في شهر رمضان المبارك عشرين مرة بتلاوة مجودة مع صيامه رغم مرضه وعدم قدرته على الأكل فقد كان لا يأكل إلا حبة تمر واحدة ونصف كأس عصير من فطور يومه إلى فطور اليوم التالي له فمن يصدق بأن شيخاً كبيراً ومريضاً لا يأكل ولايستطيع النوم أن يختم كتاب الله الكريم عشرين مرة خلال شهر واحد، هذا إن دل على شيء فهو يدل على أن القرآن هو جل اهتمامه وما يملأ تفكيره. أما معاشه فكان يأكل من عمل يده منذ نشأته لأنه لايهتم بأكله ومشربه ولايأكل إلا القليل، فقد كان يقوم بشراء ثمرة النخيل في كل صيف ثم يقوم ببيعها وتأخذ هذه منه مدة تقل عن الثلاثة أشهر من كل عام وتكفيه لسد حاجته لباقي السنة حتى يدور الحول ويشتري ثمرة نخل أخرى، بمعنى أنه كان يأكل من عمل يده لذلك فهو يعمل فقط لما يكفيه في عيشه ولم يلتفت إلى الأعمال الأخرى ليس لجهل منه او كسل به، بل للتفرغ للعبادة. أما خلقه فسيشهد له الجميع أمام الله بأنه لم يُرَ يوماً من الأيام قد آذى أو تعرض أو انتقد أحداً من الناس كافة بل كان يترك ما لا يعنيه ويتنازل عن جميع حقوقه لكل من حوله بدون استثناء كما لم يكن متسلطاً أو ناقداً بل كان موجهاً بأفعاله الحسنة طيلة حياته كاملة مع من يعرف ومن لايعرف وقد اتصف بخُلق رفيع ألا وهو الكرم بخلقه وماله فلا يسعد إلا بوجود ضيف لديه وذلك منذ القدم رغم شظف العيش آنذاك فقد كان مضيافاً للجميع ويجود بجميع ما لديه لضيوفه. أما الصبر فقد تحلى به منذ الصغر فقد أمضى حياته لايشتكي من أي عارض ألم به، فقد كان رحمه الله يصبر على كل أمر يصيبه ويحتسب أجره عند الله، فلم يشتكِ من الأمراض التي أصابته في حياته، ولم يشتكِ من جميع ما أصابه في دنياه حتى في آخر حياته وبالأخص في آخر أسبوع منها عندما أصر أبناؤه أن يذهبوا به إلى المستشفى فقال لهم لاتحرموني من فضل الصبر على الآلام وليس بي سوى الموت دعوني أسلم روحي لبارئها في بيتي، فلم يُذهب به إلى المستشفى حتى فقد جميع قواه، ومكث فيه بضعة أيام حتى أغمي عليه في صباح يوم الجمعة وانتقل إلى جوار ربه في مسائها. إن من لايعرفه يعتقد بأني أبالغ في بعض ما أكتب عنه لقرابتي منه، وتعاطفي معه بعد وفاته، لا والله إن المطَّلع على حياته رحمه الله يعلم بأنني لم أُوفه حقه، بل لم أذكر إلا بعضاً من صفاته الطيبة لأن هذا الإنسان عاش حياة مخالفة لما نعيشه حياة يملؤها الزهد والورع فكان لايلتفت إلى الدنيا وزينتها ومغرياتها وما فيها من مُتع ورفاهية وكانت الآخرة هي همه ومبتغاه. فقد رحل العم فهد عنا لدار بإذن الله خير من دارنا وكل من حوله سيفقده، أما المسجد ففقد عموداً من أعمدته، والمسلمون فقدوا زاهداً يدعو لهم، والبيت فقد الذكر الذي كان عُمِّر به، وأما القرآن فسيشهد له بتلاوته أما نحن فقد فقدنا رجلاً صالحاً قل أن تجد مثله في هذا الزمان، فنقول رحمك الله يا أبا عبدالعزيز وألهم أهلك الصبر والسلوان وجعلنا الله وإياك ووالدينا والمسلمين في جنات النعيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.