الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد: فلا يفتأ قلب المحب يتلذذ بذكر مآثر محبوبه، ويتغنى بمفاتنه، والوطن هو محبوبنا الذي نعبر عن مكنون الفؤاد تجاهه بما أفاء الله عليه من نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، وبما حباه الله من خصائص وميزات جعلت الانتماء له والولاء شرفا ونعمة، ومن أكبر نعم الله عليه ان جعله بلد التوحيد والعقيدة، والمقدسات والمشاعر الإسلامية، وهيأ له قادة أوفياء، وولاة أمر حكماء صلحاء، جعل الله حكمهم رحمة، وولايتهم نعمة وعملهم صلاحا وإصلاحا تذكرة للأجيال، قيام بأصل الأصول ورعاية للثوابت، واخذ بكل سبب يؤدي الى النهوض والارتقاء، والوصول الى آفاق الريادة والمثالية والعالمية، هذا النهج السديد، والمسلك الحميد هو الذي أسس عليه الملك الباني المغفور له باذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وجعل الجنة مأواه - دولة الحق والتوحيد واستمر عليه ابناؤه البررة، وإنجاله الأوفياء، وها نحن في هذا العصر اللزاهر، والعهد المبارك عهد ملك الانسانية والحكمة والحنكة والسداد، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله وأمد في عمره على الطاعة والإيمان - ذلكم الإمام الفذ، والملك الصالح، والحاكم العادل الذي يعيش الوطن والمواطنون في سويداء قلبه ويحتلون أولى أولوياته واهتمامه، فقد اجتذبته حنكة المؤسس وحكمة القائد فأصبح لا يرضى للمملكة العربية السعودية مكانا الا الصدارة والتقدم في مصاف العالمية، ولا لمواطن هذا البلد المبارك الا ان يكون محل الثقة والتقدير، والاحترام من الجميع والمنجزات الحضارية التي تتوالى، لابد أن تكون بحجم هذا الطموح العالي، والتميز الوطني المنشود، والمثالية التي تتطلبها مواكبة العصر والتحديات المحلية والعالمية، ولا يختلف اثنان على أن هذه المنجزات التنموية، والمكتسبات الحضارية ترتبط اساسا بما هو اساس التطور والارتقاء ومعيار الحضارة والبناء، انه العلم والتعليم الذي يعد الاهتمام به والارتقاء بأدواته وأساليبه شاهدا على مدى ما وصلت اليه اي أمة من الأمم والتعليم العالي، على وجه الخصوص، وركيزته الأساسية، البحث العلمي يعد في أولى الأولويات، وأهم المهمات، وهو سبب ازدهار الحضارات، وقيام المطالب العالية وتحققها في شتى المسارات، وادراكا من قيادتنا الحكيمة، وولايتنا الفذة، وإمامنا العادل، ومليكنا المحبوب لهذه الأسس، فقد كان أكبر منجزاته في عهده الميمون واعظم اهتماماته دعم مسيرة التعليم العالي، وتوفير فرص الالتحاق بالجامعات لكل مواطن على هذا الثرى المبارك، ومن يستقرئ هذه السياسة الحميدة، والمنهج المتميز يترسم في طياتها اهتماما يستشرف من خلاله مستقبل واعد، وأمل كبير في الله جل وعلا ان تدرك المملكة بقيادتها طموحات بعيدة، وترتقي إلى مصاف العالمية، وتصبح جامعاتنا الواعدة مقصدا وموئلا ومثالا للتقدم في كل مجال وما ذلك على الله بعزيز. ويمكن رصد أبرز المنجزات التي تعد منجزا من وجه، مستقبلا واعدا من وجه آخر في عدد من الإضافات الهامة التي باركها خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - وأكمل بها مسيرة سلفه من الملوك الميامين، والحكام المصلحين أهمها: الاهتمام الكبير بزيادة عدد الجامعات السعودية، فيصح لنا أن نقول: ان هذا زمن التعليم العالي السعودي، فقد منّ الله على مليكنا وولي أمرنا، ووفقه للتوسع في هذا المجال، بنظرة واعية، وخطط مدروسة، فبعد موافقته - ايده الله - الأخيرة على إنشاء أربع جامعات جديدة في الدمام والخرج وشقراء والمجمعة يصبح عدد الجامعات السعودية اثنين وثلاثين جامعة، أربع وعشرون منها حكومية، وثماني جامعات أهلية، وبين الحكومية ست عشرة جامعة جديدة كلها في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ألا ما اعظمه من منجز، وما أجدره بالفخار والعز والشرف، سيبقى في ذاكرة الأجيال وستسطره الأيادي بأحرف من نور. وليس التطور هذا كمياً فحسب، بل هو نوعي في ذاته وأدواته، فهناك مدن جامعية تحت الإنشاء.. والعمل فيها يسير بخطى حثيثة، لاستكمال هذه الجزئية الهامة التي تعد منطلقا اساسيا، وبيئة خادمة لهذا التطور النوعي وهذه الزيادة وفرت فرص التعليم وساعدت على استيعاب الأعداد المتزايدة، ووسعت الدائرة ليجد كل مواطن في اي مكان هذه الفرصة متاحة بأيسر طريق، وأسهل أداة، مما ساعد على استيعاب أزمة القبول التي تنشأ كل عام، ورغم ان عدد الجامعات تضاعف الا ان هذه الزيادة لم تؤثر في نوعية التعليم العالي او أدواته أو أساليبه، فدعم المليك، ورعايته وحرصه - أيده الله - على الارتقاء والتطور شمل كل هذه الجوانب ووجه - حفظه الله - برصد الميزانيات الضخمة لاستيعاب هذا التوسع المدروس وتوفير الكوادر اللازمة لهذه النهضة الواعدة المرتقبة بإذن الله. ولذلك سار التطور النوعي جنباً الى جنب مع التطور الكمي وأصبحت مفاهيم الجودة ومعايير التميز العالمية محل العناية والرعاية والاهتمام وأصبح التنافس على أشده بين الجامعات لحيازة موقع متقدم في التصنيفات العالمية، وحقق ذلك عدد منها بكفاءة وجدارة استحقاق، وما أمر هذه الجامعة العريقة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي نشرف بقيادتها، وتحقيق طموحات المليك فيها الا شاهد على هذا التطور النوعي، أما العناية بمرتكز التعليم العالي اعضاء هيئة التدريس فهو شأن آخر، يعد شاهدا على ما أسلفنا من اهتمام المليك المفدى بالتعليم العالي على وجه الخصوص، فقد زيدت الميزانيات وصدر الكادر الخاص باعضاء هيئة التدريس بما يحمله من حوافز ومشجعات، ومغريات أثلجت الصدور وأبهجت النفوس وأصبحت الجامعات بهذه الحوافز المدروسة بيئة جاذبة للكفاءات والمتميزين علمياً وبحثياً. ويأتي متزامنا مع هذا تحسين أوضاع المبتعثين الذين يشكلون روافد لبيئة التدريس في الجامعات السعودية، بما يؤمل منهم من تلقي تخصصات علمية تحتاجها المملكة للمرحلة المقبلة، وتقوم بسد الاحتياج العلمي في تلك التخصصات، ولذا يعد برنامج خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - للابتعاث الخارجي ترجمة صادقة لاهتمام المليك بالتطور النوعي في التعليم العالي والأعداد التي افادت من هذا البرنامج ينتظر منها أن تقود هذا التطور بما تلقته من خبرات وبما أفادته من علوم تخدم هذه المرحلة بإذن الله. الحق أن الحديث عن المنجزات الحضارية والتنموية لمليكنا يطول الحديث عنها، ولكن أبرز حدث ننتظره في هذه المنظومة الهامة من المنجزات التعليمية والبحثية، وما يعد مؤشرا للإبداع والتميز، وما يمكن ان يكون بوابة الانطلاق لمستقبل مملوء بالمفاجآت السارة، انه حدث ترتقبه مملكتنا الحبيبة بفارغ الصبر، لأنه فلسفة جديدة في التعليم العالي، وذلك بالتوجه إلى نوعية من التعليم العالي تضع بلادنا في مصاف الدول المتقدمة، انه مشروع جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية ذلك الحلم الكبير الذي كان يحمله مليكنا وهاهو بوضع لبناته التأسيسية حوله الى واقع وبانطلاق المشروع وتدشينه وافتتاحه نكون قد وضعنا أقدامنا في أول الخطى البعيدة زمناً القريبة منالا باذن الله لأنها جامعة يتوقع لها بإذن الله ان تكون ذات تأثير في الأوساط البحثية والتعليمية ورؤية الجامعة ورسالتها تؤكد الإرادة القوية، والاصرار والعزم على تحقيق الطموحات وقد أفصح المليك المفدى يحفظه الله - عن رؤيته المستقبلية للجامعة وبواعثه وأهدافه في هذه الجامعة التي شرفت باسمه حيث ورد في رسالته على موقع الجامعة الدرر الآتية: قال الله تعالى في كتابه الكريم: (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (الزمر: 9) إن هذا المبدأ العظيم يعلي شأن مكان العلم باعتباره الوسيلة الأسمى لنشر نوره، ويحث الناس جميعا على اكتساب العلم والمعرفة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس)، لذلك فإن أعظم الأعمال هو ما دام نفعه للأجيال القادمة، ومن هنا كان الوقف عنصرا جوهريا في بناء الحضارة الإسلامية، ورغبة مني في إحياء ونشر فضيلة العلم العظيمة التي ميزت العالمين العربي والإسلامي في العصور الأولى، فقد رأيت أن أؤسس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، وستمثل الجامعة، باعتبارها «بيتا جديدا للحكمة»، منارة للسلام والأمل والوفاق وستعمل لخدمة أبناء المملكة ولنفع جميع شعوب العالم عملا بأحكام ديننا الحنيف».. إلى أن قال - سدد الله قوله: «هدفنا هو إيجاد أنموذج دائم للتعليم الراقي والبحث العلمي المتقدم». إن هذا البيان اختصار مفيد، وقول بليغ في رسالة الجامعة وهدفها، ويحق لنا ان نصفها بانها هدية ملك الحكمة الى شعبه الوفي فقد هدف من خلالها الى تحقيق الرفاهية والتقدم والارتقاء وتسخير موارد البحث العلمي واحتضان العلماء ليضعوا خبراتهم وتجاربهم وابداعاتهم في وضع الحلول للعقبات التي تعترض التنمية والاقتصاد والبيئة والصناعة، كما توافر لهذه الجامعة الواعدة كل مقومات النجاح والابداع، يأتي في مقدمتها رعاية المليك لها، ورصده تلك الميزانية الضخمة التي تمكنها من أداء الدور المناط بها، وتنفيذ مهامها واجتذاب الكفاءات المتميزة، ويجري حاليا - كما ورد في كلمة المليك - انشاء وقف دائم يديره لمصلحتها مجلس أمناء مستقل تتمثل فيه الادارة الحكيمة، والمسؤولة دعما لروح الابداع التي تعبر عنها الجامعة، كما ان من عوامل الابداع فيها وتحقيق التميز انتقاء الموقع الذي يتميز بالطبيعة الخلابة، اضافة الى ما له من دلالة ثقافية هامة، اما مجلس الأمناء فهو عامل آخر من عوامل النجاح، وما رسم لهذه الجامعة من استراتيجيات، وما توافر فيها من خدمات ومرافق كل ذلك يضعنا امام انجاز لمليكنا يعد اعجازا. وسيكون الافتتاح المزمع في الرابع من شهر شوال الحالي ايذانا بالانطلاقة الكبرى لهذه الجامعة الفتية العالمية الرائدة، وتمثل باذن الله قفزة هائلة، وتحولا تأريخيا يعد بمقياس الزمن من اعظم الإنجازات التي نحتسب على الله أن يكون مليكنا يدخل بسببها فيمن أخبر عنهم رسول الله صلى الله وسلم بأنهم خير الناس لأنهم يسعون فيما يدوم نفعه للناس، فهو عمل تنتظره الأجيال القادمة جيلا بعد جيل، وسيظل شاهدا تتحدث عنه بتقدير واعتزاز، وتدرك بعمق أن أفعال الرجال تعانق هامات السحب، وتبني وطناً لا يتوقف نموه وتطوره ان هذه الجامعة المباركة نستشرف من خلالها مستقبلاً مشرقا لهذا الوطن العزيز، ونضع في أذهاننا صورا لا يحدها الخيال، ونسأل الله عز وجل أن يحقق الآمال والطموحات، ويكتب النجاحات المتوالية لهذه الجهود المباركة. وبعد: فان من حق مليكنا على كل مواطن شرف بالانتماء الى هذا الوطن، ونعم بهذه النعم الوافرة، والخيرات المتدفقة، وعاش إنسانية مليكنا وحكمته وحنكته أن يلهج بالثناء لله عز وجل أولا، فهو الذي منّ على إمامنا ومليكنا، واختصه بهذه النعم، وهو الذي سدده بهذه المواقف السديدة، والمبادرات الحميدة، والمساهمات الفاعلة المؤثرة، ثم أن يشكر هؤلاء الرجال الأفذاذ وعلى رأسهم مليكنا المفدى، وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهم الله، وأدام علينا نعمة ولايتهم - والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وقيادتنا، وأن يجعل أعمالهم زادا لهم إلى رضوان الله وجنته انه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. * مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية