* مدخل: في سياق ما كتبته عن اهتمام المؤرخين العرب خارج الجزيرة العربية بالشعر النبطي أشرت في مقالة سابقة إلى كتاب المصري محمد حسني العامري (نزهة الألباب في تاريخ مصر وشعراء العصر ومراسلة الأحباب) الذي استخلص الباحث تركي القداح ما تضمنه من شعر نبطي وأصدره في كتاب أسماه (شعراء العامية في كتاب نزهة الألباب)، انظر جريدة «الرياض» العدد 14598 ثم كتبت بعد ذلك عن اهتمام الأديب والمؤرخ اللبناني أمين الريحاني بالشعر النبطي في كتابه الشهير(ملوك العرب) انظر جريدة «الرياض» العدد 14811 والعدد14821 وهانحن اليوم نشير إلى باحث ومؤرخ عربي آخر استشهد بهذا الشعر في سياق الأحوال الاجتماعية في الجزيرة العربية وأورد نماذج مختلفة من القصائد والأبيات، إنه فؤاد حمزة كما ظهر في كتابه التاريخي المعروف (قلب جزيرة العرب) الذي لا يستغني عنه أي باحث في التاريخ السعودي. فؤاد بن أمين حمزة (ت1371ه) لبناني، التحق بالعمل مع الملك عبدالعزيز سنة1926م، ليشارك بعد ذلك في دبلوماسية المملكة العربية السعودية طيلة ربع قرن. وكان كاتباً وباحثاً دؤوباً على العمل ومن كتبه المطبوعة (قلب جزيرة العرب) و(البلاد العربية السعودية) و(في بلاد عسير). *الشعر النبطي في كتاب (قلب جزيرة العرب): صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى سنة 1352/ 1933م وسنركز هنا على الفصل السادس من القسم الثاني الذي تحدث فيه عن السكان والأحوال الاجتماعية حيث أشار فيه إلى وهن اللغة العربية في المدن الحجازية وسواحل الخليج بسبب مخالطتهم للأعاجم في حين أشار إلى أن لهجة أهل نجد أقرب إلى اللغة الفصيحة ولكنه أكد أن أفصح اللهجات وأقربها إلى اللغة الأم هي اللهجات اليمانية . وأما الشعر فقد قال :"الذين ينظمون الشعر الموزون في البادية على البديهة قليلون جداً ولكن كثيرين في البادية فضلاً عن الحاضرة يقرضون نوعاً من النظم هو دون الشعر الصحيح فلا يراعون فيه ما يراعى في الشعر الموزون ويسمون ما يقرضونه شعراً نبطياً، وهو من حيث أداء المعنى وإفادة السامع يقوم مقام الشعر الصحيح وفيه كثير من التوريات والكنايات والمجازات ولكنه على كل حال لا يتقيد بضوابط الصرف والنحو والمعاني والبيان" ثم أورد بعد ذلك بعض الأمثلة التي اختارها من منظوم قبائل مختلفة مضبوطة بالشكل وشرح بعض مفرداتها في الحاشية وهي: 1 تحت عنوان (نبط حجازي) أورد قصيدة من المروبع في أربعة عشر بيتاً للشاعر خضر بن عويد النمري ولم أجد لهذا الشاعر ذكراً فيما بين يدينا من مصادر الشعر النبطي المطبوعة بل لعل فؤاد حمزة هو أول من دون هذه القصيدة ومنها: انتبه للخط خليه بثبات لا تعيّن في علومٍ مقفيات كم صبيٍ فارق الدنيا ومات راح مثل العيد ومن العايدين اسمع أقوالي وجوّد في الكتاب شابت اللحية وشوف الراس شاب مايبي يقعد على الدنيا شباب كل منا للمحاسب رايحين 2 وتحت عنوان (نبط عتيبي): أورد مساجلة بين أحد الفتيان وعمه بدون ذكر لاسميهما حيث قال الفتى : ياعم واوجدي على وسق حرة بعيدة المرماع لو درت أنا الورك في ثلاثة أبيات ليجاوبه العم بخمسة أبيات أولها : أبوك ياللي طلبتك بس حرة بيني وبينك سامك العرش يقهرك وقد جاءت هذه المساجلة في أكثر من مصدر من مصادر الشعر النبطي ولم تتأكد نسبتها لشاعر بعينه. 3 وتحت عنوان (نبط شمري): أورد قصيدتين جاءت الأولى في ستة أبيات أولها: هيه ياللي لك مع الناس وداد ما ترحمون الحال ياعزوتي ليه ماترحمون اللي غدا دمعه أبداد طول الزمان وحرّق الدمع خديه وقد نسبها إلى عبيد الرشيد وهو خطأ كما يظهر في أغلب مصادر الشعر النبطي التي تنسبها لأخيه عبدالله العلي الرشيد في أبيات أكثر وبصيغة مختلفة في بعض ألفاظها، رغم أن فؤاد حمزة ليس الوحيد الذي نسبها إلى عبيد أيضاً صاحب التحفة الرشيدية. وأما القصيدة الثانية فقد أورد منها ستة أبيات منسوبة أيضاً إلى عبيد الرشيد وهي من قصائده المشهورة وجاءت عند الحاتم وغيره في عشرة أبيات مع اختلاف في بعض الألفاظ وأولها عند فؤاد : أنا على لان وربعي على لان متخالف وسري ووسر الجماعة 4 وتحت عنوان (نبط عنزي): أورد قصيدة نسبها إلى أحد موالي العمارات في سبعة أبيات أولها : ابكي هلي ياناس ماني بمليوم والظن من يبكي هله مايلامِ وهذه قصيدة مشهورة أجمعت مصادر الشعر النبطي على نسبتها إلى مسعود (عبد ابن هذال) وهي أطول من ذلك. 5 وتحت عنوان (نبط عنزي من أهل الشمال): أورد أربعة أبيات غير منسوبة منها: عيني جزت عن نومها بان الاصباح وعيني جزت عن نومها واسهرتني جيت لمنازل ربعنا وجيت المراح ولقيت مركا دلالهم ذكرتني 6 وتحت عنوان (نبط نجدي): أورد قصة لسجال بين راكان بن حثلين والشاعر فهد الفويه في مجلس ماجد حمود الرشيد حيث أنشد راكان أربعة أبيات منها: عزي لقلب ٍ ماتقضت شطونه لو قلت زلّت عبرة جاء بدلها وا خلي اللي في محاجر عيونه خيلٍ مشاهيرٍ تطارد بأهلها فيطلب ابن رشيد من الفويه أن يرد على راكان ووعده بجائزة فجاء الرد سريعاً في عشرة أبيات منها : أقول بيوتٍ ما حلى من فنونه آخذ جدايدها واخلّي سملها وقلبي على ماقام تصفق ركونه دلّيت أجيب القاف من محتملها والحقيقة أن هذه المساجلة وردت بنفس عدد الأبيات عند الحاتم وغيره. وهكذا نجد فؤاد حمزة صاحب هذا المرجع التاريخي المهم في تاريخ المملكة العربية السعودية يوثق في كتابه حوالي ستين بيتاً من الشعر النبطي من منظوم قبائل مختلفة فلفت النظر إليه في زمن مبكر نسبياً 1352ه وهذا دليل على احتفائه بهذا الشعر لأنه أحس بقيمته التاريخية في الدلالة على الحياة الاجتماعية للسكان وثقافتهم ولغتهم. فإذا علمنا أن أوائل مجاميع الشعر النبطي المطبوعة جاءت بعد طباعة كتاب (قلب جزيرة العرب) بعشرين سنة تقريباً، فلابد لنا جميعاً من تقدير الجهد الذي بذله فؤاد حمزة وكان سباقاً إليه.