يعد الشعر مرآه صادقه للحياة التاريخية والدينية والاجتماعية في منطقة الجزيرة العربية خاصة فيما قبل القرن العاشر الهجري. نظراً لقلة التدوين التاريخي في تلك الحقبة الزمنية. وإذا كان هناك من الشعراء قد أشير إليهم بالبنان وخاصة في قصائد الوعظ والزهد والنصح والحكمة حيث توطدت أركانها وقويت معانيها بكوكبة تناقلت أخبارهم جيلاً بعد جيل أمثال الشافعي وابو العتاهية وغيرهم اطواداً شامخة في مثل هذا المنهج. وبعد مضي عدة قرون وأزمنة تاريخية يطل علينا في الجزيرة العربية شاعر سلك هذا المنهج الوعظي والزهدي، فاق غيره في هذا الأمر واصبح اسمه محفوظاً في ذاكرة الأجيال.. حاولت الحديث عنه إطلالة سابقة فاستجد بين يدي القارئ بعض الفوائد أحببت أن أشارك القارئ الكريم بها، وربما هو أقدم إشارة من شعر حمزة العامري الذي رجح الصويان أنه أقدم ما وصلنا من الشعر النبطي. وهذا الشاعر أقصى ما علمنا أن اسمه الوعيظي ويظهر انه لقب له وعرف به لغلبة شعر الوعظ والحكمة في قصائدة ولم اعثر - حسب ما اطلعت عليه - على ترجمة له تفيدنا عن زمنه الذي عاش فيه سوى اشارة مهمة أوردها الدميري (ت808ه) في كتابه المشهور حياة الحيوان الكبرى. حيث نقل في كتابه وتحت باب الباذي ما نصه (وقال الوعيظي في أول قصيدته: ليس المقام بدار الذل من شيمي ولا معاشرة الأنذال من هممي ولا مجادلة الأوباش تجمل بي كذلك الباز لا يأوي على الرخم (144/1، 145، تحقيق محمد عبدالقادر الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت سنة 1426ه). وأحب أن أشكر هنا أخي الأستاذ الكريم صلاح الزامل لارشادي إلى هذا النص من خلال هذا الكتاب فشكر الله سعيه ووفقه للخير. وقد عثرت على ديوان شبه كامل - فيما أظن - لهذا الشاعر ويعود إلى ما قبل القرن العاشر تقديراً. كما تمكنت من العثور على عدد من الأوراق الأصلية لهذا الشاعر والمصورة في كل من الرياض وسدير والأحساء والكويت والهند وغيرهما. وهذه القصائد تدل على أنها قريبة من الفترة التي بدأ فيها التحول من الشعر العربي الفصيح إلى الشعر النبطي حيث نرى ذلك بيناً في الألفاظ والمعاني والكلمات الواردة في شعره. وكنت قد استوضحت من شيخنا العلامة حمد الجاسر (ت1421ه) وذلك في إحدى خميسياته المشهورة من صباح ذلك اليوم في سنة 1418ه فأخبرني انه ربما من بلاد الجنوب في تهامة ثم قام بذكر قصيدته المشهورة: أنا الوعيظي ولي في الشعر نافلة وذكر لي منها قرابة العشر أبيات قال انه قد حفظها عندما كان في بلدته التي ولد فيها (البرود)، كما أكد ذلك في كتابه من سوانح الذكريات 104/1قلت ويظهر كما جاء في ديوانه المخطوط ما يشير إلى أنه من بلد الأحساء - فربما إن صح ذلك فهو من شعراء الدولة الجبرية الذين حكموا الأحساء قبيل منتصف القرن التاسع الهجري فإذاً كل النصوص تشير إلى أنه من بلاد الأحساء. وجاء في كتاب (باقة من الشعر الخليجي) للشاعر احمد ابن خليفة الهاملي من أهالي الإمارات - الطبعة الأولي بدون تاريخ - أشار إلى إحدى القصائد لهذا الشاعر ذاكراً بأن اسمه الوعيظي الحساوي ص (150) ثم جاء في مطلع هذه القصيدة التي أوردها: ليس المقام من دار الذل من شيمي ولا معاشرة الأنذال من هممي ثم في آخر القصيدة جاء: قول الحسا الوعظي الذي اشتهرت أشاعره في بلاد العرب والعجم ويظهر انه استدل من هذا البيت على انه من الأحساء وبلغ مجموع الأبيات التي أوردها لهذا الشاعر (126) بيتاً. وأشار انستاس الكرملي المتوفى سنة 1947ه في كتابه الذي لا يزال مخطوطاً وهو بعنوان (ديوان شعراء نجد من العوام العصريين) حيث جمع هذا الديوان من النجديين الذين يقدمون إلي بغداد ويزورونها فيما بين عامي (1895م - 1900م) أي خلال خمس سنوات وقام بشرح هذا الديوان سليمان الدخيل النجدي المتوفى عام 1944م حيث جاء في نهاية ديوانه المخطوط قصيدة طويلة للشاعر الوعيظي تبدأ من مطلع قوله: ليس المقام من دار الذل من شيمي ولا معاشرة الأوباش من هممي وجاء قبل نهاية قصيدته هذه بتسع أبيات تقريباً قوله: قول الوعظي الحسائى الذي اشتهرت أشعاره في بلاد العرب والعجم وبلغ مجموع ما في هذا الديوان في قصائد هذا الشاعر (160) بيتاً وأصبحت هذه القصائد تتناقلها الأجيال نظراً لمعانيها الجميلة وسهولة ألفاظها، ونصائحها وأحيانا لطرفتها وهجائه المقذع للعجائز كقوله: ليت العجائز في حبل معلقة نحو الثريا وليت الحبل ينصرم حيث إن هذه الأبيات يتناقل بعضهم روايات عدة وحكايات مختلفة ويصورون أن هذه الأبيات قد قيلت بسبب حكاية أسطورية يرونها حيث كانت إحدى العجائز سبباً فيها.. وهذه القصائد لهذا الشاعر يتناقلها سكان أهل نجد وبعض مدن الجزيرة العربية إلى يومنا هذا. لكنني لم اعثر على نص قاطع عن اسمه أو نسبه في بعض قصائده سوى أنه من الأحساء. ولعل الأيام تكشف بالمزيد وتضيف الجديد. ومن قصائده المشهورة: ليس المقام بدار الذل من شيم ولا معاشرة الأوباش من هممِ ولا مجاورة الأنذال تحملني كذلك الباز لا يأوي إلى الرخمِ يا سائلي عن العلوم ليس يفهمها إلا أديب لبيب عاقل فهمِ أنا الوعيظي ولي في الشعر نافلة فاسمع كلام كمثل الدر منتظمِ ثم يقول: ليت العجائز في حبل معلقة نحو الثريا وليت الحبل ينصرم واحذر عجوز توليها على حرم إلى آخر القصيدة الطويلة... وآمل هنا من الباحثين أو المهتمين بتقديم ايضاحات حول هذا الشاعر إن تمكنوا من العثور على ما يفيد. ولا سيما الباحث المعروف والنشط الدكتور سعد الصويان الذي يعد من أبرز المختصين والمحققين في بلادنا عن تاريخ الشعر الشعبي أو النبطي.. والأستاذ الباحث راشد الجعيثن المهتم بتاريخ هذه المنطقة وشعرائها والزميل بمجلة اليمامة وغيرهم من المهتمين والباحثين. @ راشد بن عساكر