في ظل التطورات الخطيرة والمتسارعة التي تمر بها المنطقة, تتأكد على مستوى الوطن العربي كله أهمية تمتين الجبهة الداخلية ورص الصفوف وتقوية أسباب الوحدة الوطنية, إذ إن من الخيارات الحيوية التي نستطيع من خلالها مجابهة التحديات والاستجابة الواعية لها, هو خيار تأكيد وتعميق الوحدة الوطنية. وأن الخطوة الأولى الضرورية في هذا السياق, هي أن نتخلى عن لغة الشعارات الفضفاضة التي لا مضمون لها, وأن نتجاوز كل الخطابات الإطلاقية أو الكلامية, التي ترى الوحدة بمنظور شوفيني, لهذا فإن مفهوم الوحدة بحاجة إلى أن ينفتح ويتواصل مع كل التجارب الوحدوية والتوافقية, التي استطاعت أن تؤسس لذات وطنية قوية, قوامها المزيد من الاحترام الوجودي والمؤسسي لكل التعبيرات السياسية والثقافية ومكونات المجتمع. والقواسم المشتركة المجردة لوحدها لا تصنع وحدة, وإنما هي بحاجة دائما إلى تفعيل وتنمية, وحقائق وحدوية, ومصالح متداخلة, حتى تمارس هذه القواسم دورها ووظيفتها في إرساء دعائم الوحدة وتوطيد أركان التوافق. فالوحدة الحقيقية والصلبة لكل وطن عربي, لا يمكن أن تعيش إلا في ظل الحوار المشروع, لأنه يغني مفهوم الوحدة ويمده بأسباب الحيوية والفعالية, ويؤسس لوقائع وحقائق جديدة تحول دون تقهقر المفهوم الوحدوي على مستوى الواقع. ومن الأهمية بمكان أن ندرك, أن وحدة مصادر العقيدة والأحكام, لم تلغ الاختلافات بين المسلمين, وذلك لاختلافهم في مناهج النظر والاستنباط. وفي هذا التعدد والتنوع في مناهج النظر إثراء للمسلمين في مختلف الجوانب, ولا ضرر نوعيا لهذا التنوع على المستوى النظري أو العملي ولكن الضير كل الضير, حينما يفضي الاختلاف خلافا وقطيعة وخروجا عن كل مقتضيات الأخوة الدينية والوطنية, وسيادة هوس التعصب الأعمى, قال تعالى [ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ] (( الأنفال الآية 46)). والإنسان الذي يعيش الوحدة هو الذي يحترم خصوصية صاحبه كما يريد من صاحبه أن يحترم خصوصيته. عندما تكون وحدويا, فإن عليك أن تفتح المجال لتحمي حرية صاحبك بأن يقول ما شاء, تحميه من كل عواطفك وانفعالاتك, تحميه من كل ذلك وتقاتل في سبيل حريته. لذلك فإن الوحدة الوطنية الصلبة, هي التي تبدأ من الاعتراف بالآخر وجودا وفكرا, لا للانحباس المتبادل, وإنما لانطلاق فعل تواصلي حواري, ينمي المشتركات, ويسعى نحو مراكمة مستوى الفهم والاعتراف. فالمطلوب دائما أن ننفتح على مساحات الاختلاف ونتواصل مع المختلفين, من أجل استنبات مفاهيم وقيم جديدة, تزيد من فرص تقدمنا, وتحررنا من آليات العجز, وتجعلنا نقتحم آفاقا جديدة, تحملنا على نسج علاقة جديدة مع مفهوم الوحدة والتوافق الداخلي. ومن الضروري أن يتحول التطلع إلى المزيد من رص الصفوف وتجذير أسباب الوحدة الوطنية, إلى فعالية مجتمعية لصد المعوقات, وإزالة الرواسب, وخلق الوقائع واجتراح السبل, وإنجاح الظروف الذاتية والموضوعية للإنجاز الوطني المستديم. وإن المنطقة تمر هذه الأيام بظروف حساسة وتطورات خطيرة على مختلف المستويات, وإننا بحاجة في هذه الحقبة الراهنة الحساسة, إلى أن نؤكد على قيمة الوحدة الوطنية, إذ إن جميع الاعتبارات تدفعنا إلى تجاوز كل ما يحول دون عملية تجذير هذه الحقيقة الوحدوية في واقعنا المجتمعي, وأن نخلق المبادرات الوطنية النوعية التي تزيد وتطور مستوى الانفتاح والتلاحم بين القيادة والشعب. وإننا في هذه اللحظة التاريخية, نهيب بجميع مكونات المجتمع الوطني, إلى ضرورة الانفتاح والتواصل مع بعضهم, ذلك من أجل تمتين الجبهة الداخلية وتعميق خيار التوافق وتجذير أسباب الوئام والالتحام الوطني.. فلتتحول كل الجهود والطاقات صوب فريضة الوحدة والوطنية, وذلك من أجل حمايتها وتطويرها. وستبقى الوحدة الوطنية المستندة إلى قيم العدالة والتسامح, هي الأرض الصلبة التي تتكسر على مشارفها كل مؤامرات الأجنبي ومخططات أعداء الأمة التاريخيين. ولعل من الأهمية بمكان في إطار التأكيد على فريضة الوحدة الوطنية في هذه الفترة الحساسة أن نؤكد على الأمور التالية: أن تمتين الوحدة الوطنية, يحتاج إلى جهود وطاقات كل مواطن. حيث أن كل مواطن في هذا الوطن العزيز يتحمل مسؤوليته من موقعه الوظيفي أو العملي أو الاجتماعي في تعزيز أواصر الوحدة الوطنية. ان التطورات التي تعيشها المنطقة تلزمنا جميعا بالقيام بمبادرات وطنية تزيد من أسباب التفاهم والتلاقي بين مختلف مكونات المجتمع الوطني ... وتستهدف هذه المبادرات تأكيد توقيف ثوابت الوطن والمجتمع وتأكيدها في مختلف مجالات الحياة والوطنية. وإن الاختلافات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية ، ليست مبررا نهائيا للعداوة والخصومة بين أبناء الوطن الواحد .. فليس عيبا أن تتعدد قناعاتنا ، ولكن العيب كل العيب ، حينما لا نتمكن من صياغة رؤية وطنية متكاملة لإدارة تعدديتنا بصورة تضمن احترام الخصوصيات وفي ذات الوقت تقبض على كل أسباب القوة والمنعة والانسجام الوطني الداخلي .. فالأوطان لا تبنى بالاتهام والاتهام المضاد ، ولا بإطلاق الأحكام الشوفينية المطلقة ، وإنما تبنى الأوطان بمشروعات التفاهم واللقاء والتواصل بين مختلف التعبيرات والمكونات .. وعليه فإن كل جهد أو خطوة تستهدف خلق الخصومة بين أبناء الوطن الواحد ، هي خطوة مضادة لحقيقة الوحدة الوطنية ، ومتطلباتها السياسية والاجتماعية .. فالمطلوب منا جميعا ومن مختلف مواقعنا ، العمل على تطوير التفاهم والتلاقي بين مختلف المكونات ، والسعي المستديم لتذليل العقبات ومعالجة المشاكل التي تحول دون تطوير مستوى الانسجام الداخلي بين مكونات المجتمع والوطن الواحد .. ان ارقى علاقة تربط مواطنا بوطنه هي علاقة الإضافة إلى مكاسب ومنجزات الوطن مكاسب ومنجزات جديدة. لذلك فإن التشبث بمفهوم الوحدة الوطنية يتجلى في ضرورة إسهام كل مواطن في مضمار البناء والتقدم. وذلك من أجل تمتين الوحدة الوطنية بالمزيد من المكاسب والمنجزات على مختلف مستويات الحياة.