لاشيء يمكن أن يكرر مرتين ولذا، فإنا حين نأتي – للأسف – نأتي ارتجالاً، ثم نمضي حين نمضي دونما تمرين. حتى الغبي، وإن أراد، فليس يقدر أن يعود لدرسه الصيفي، الدرس لا يعطى لشخص مرتين. لا اليوم ينسخ أمسه، ولا السعادة تستعاد بليلتين ولا القبل، بالطعم نفس الطعم، تغدو قبلتين. ذات يوم ربما ألقى لسان غافل بالاسم، اسمك، صدفة، فكأنما هي وردة قد ألقيت في غرفتي كسيت برائحة ولون باذخين. في يومي التالي، وحتى إن جلستَ بجانبي، لن أستطيع الابتعاد بناظري عن ساعتي: هي وردة؟ أم تراها غير ذلك؟ صخرة أم زهرة؟ أم بين بين؟ لمَ تكتسي نظراتنا لليوم إذ يمضي سريعاً بالأسى والخوف؟ من طبعه ألا يطيل المكث وفي غد سيكون بين الراحلين. بالابتسام وبالقبل، نسعى لكي تبقى المودة بيننا، مع أننا متخالفين (ونحن دوماً نعترف) كالماء فهو مخالف في قطرتين. هذا نص قصيدة للشاعرة البولندية جيمبورسكا، الفائزة بجائزة نوبل عام 1996، أضعه أمام القارئ وقد مررت في ترجمته عن الإنجليزية بتجربة مختلفة لن تخطئها القراءة السريعة، فهنا إيقاع ونوع من القافية سعيت من خلالهما إلى نقل للنص الشعري مختلف عما اعتدت تقديمه. في الأسبوع القادم سأعرف بالشاعرة وأقدم قراءتي لقصيدتها، ولكني هنا أوضح فقط أن تجربة الترجمة الموزونة، وزناً أحسبه لا يخلو من هنات، ليست سوى مغامرة وجدت فيها ما يغري بالدخول وأرجو أن أكون قد منحت القصيدة من خلالها بعض إيحاءاتها الأصلية مع أن من الطبيعي أن يحدث تحريف لبعض الدلالات وإن كان خفيفاً في تقديري، التحريف الذي قد تستطيع الترجمة النثرية تفاديه، أو تفادي بعضه، مع أن النثر يظل في كل الحالات فقيراً إلى أثر الموسيقى الذي ربما أرادت الشاعرة الاحتفاظ به. لكن الترجمة في كل الحالات ضرب من الخروج على النص الأصلي مهما بلغت دقة المترجم، لأن ثمة ما لا يمكن نقله في النص أبرزه الإيحاءات التي تتلون بتلون الثقافات والمؤثرات البيئية. لكن ما لا يمكن نقله تقابله دلالات يكتسبها النص في ثقافة وبيئة أخرى، والملاحظ أن التركيز لدى القراء يكون غالباً على ما يفقده النص لا ما يكتسبه، مع أن الترجمات وبطبيعة الحال متفاوتة جداً في قدرتها على إفقاد النص المترجم قيمته أو في إكسابه قيمة جديدة.