عاد الشيخ زيد إلى دياره ، وابتهجت القبيلة بعودته ، وعاد معه الثلاثة عشر رجلاً الذين كانوا في صحبته، وعندما اقترب من الحي كانت العرضات الحربية على أشدها ، وكانت المشارف وشرفات المنازل يحتشد فيها الرجال والأطفال والنساء يعبرون عن فرحتهم بقدوم الشيخ الذي قال معبراً عن النصر : يا با رقاً خرَّجْ على الشمال هلّت ثعوله يوم نوه خرّجْ جينا بروم من حسين المال قم انتظر يااللي تبي تفرج مشيرا في حدائه هذا إلى أنه وقبل مغادرة استانبول في طريق العودة إلى الوطن جهزته الدولة بالهدايا والسلاح، تعبيراً عن انتصاره وعودته غانماً. وقد استمرت الاحتفالات بعودة الشيخ أياماً ظل فيها مجلسه يستقبل وفود المهنئين من القبائل الأخرى ، ولحرص القبيلة على عودة الشيخ سالماً عقدت النذر، منها الجاد ومنها الطريف، وقد نفذت كلها في جو من الفرح والأريحية والابتهاج. وما إن عادت الحياة إلى طبيعتها حتى غضب بعض رجال القبيلة وهجروا مجلس الشيخ ، ولاحظت زوجته " بقشة " انفضاض الرجال من المجلس مغاضبين، وقد سمعت ما دار بينه وبينهم من جدل ، حيث كانت مجالس شيوخ القبائل وأعيانها تتكون من ساحة واسعة يعقد الرجال فيها أمسياتهم ، وشرفة مرتفعة تطل على الساحة يجلس فيها النساء ليلاً يستمعن إلى أحاديث الرجال ويداخلن إذا طلبت مداخلة بعضهن ممن يحفظن الأشعار والأخبار وكان ظلام الليل يحجب الرؤية ، ويسمح بالمشاركة فيما يثار من أحاديث ، أما في النهار فإن المجالس صالات واسعة للرجال وإلى جانبها مجالس النساء معزولة يمكن سماع من بها من النساء عند الحاجة إلى ذلك وبخاصة في حل المشكلات بينهن وأطراف أخرى يفصل فيها شيخ القبيلة. والواقع أن الناس الذين نتحدث عنهم هم قبائل مستقرة تعيش في مبانٍ من الحجارة المرضومة والمجصصة ، ومنها ما يتكون من دورين ، ولديهم أسواق بها كل متطلباتهم بما في ذلك محلات بيع الحلي وصياغته من ذهب وفضة وغيرهما ، ذلك وادي رحقان. بعد تفرق الجميع ذهب الشيخ إلى منزله فلم يجد فراشه كالمعتاد معداً ، وكانت زوجته " بقشة " واقفة عند باب مخدعها، وكانت امرأة ذات عقل وفهم وبعد نظر ، فلما سألها عن الفراش قالت : ليس لك فراش عندي . قال ولمَ؟ قالت أغضبت الرجال الذين لم يهدأ لهم بال حتى عدت من منفاك وتسأل عن الفراش ؟ رضاهم أولاً ثم السؤال عن الفراش ثانياً . قال : أبشري ، ثم عاد إلى مجلسه ليقول : طاري طراني طيّر النوم عني أرعى نجوماً هكّبت للمغيبِ يا ابو ثمان رهاف لا تمتحني لا بد يوم فيه اودي واجيبِ وسيقنا ما هو شوايل تمنى نفزع لها قدام شمسه تغيبِ أجر قوساً بالسهل والتمني أمشي على مهلي وادارج حريبي واربعي اللي ما لهم صبر عني وانا بلاهم مثل كرب عضيب قالت : تدورها من بعد قفَّت تثني ؟ نمراً حماها من ثعالب وذيب سبعين مهر اللي بها علّقنِّ من ربعك الابطال كيد الحريب وفي صباح اليوم التالي قدم الشاعر راشد بن سنيان ضيفاً على الشيخ فأطلعته "بقشة " على البيتين السابقين ، وطلبت منه إكمالهما ، فقال : بعناك لا جانا الزبون المهني لو كنت اخير من الحصان العريب على أية حال، تم الصلح مع رجال القبيلة ، وعادت الدولة تهاجم القبائل كما هي المقاومة تحاول صد الهجوم ، وتدافع عن ديارها ، ومن ذلك موقعة " سقام " وهو شعب في وادي العنيق اعتصم به الأحامدة أمام حشود الدولة وزحف الجند الذين يفوق عددهم أعداد المحاربين من رجال القبيلة ، الذين عندما أحسوا بالإحاطة بهم، وأن ليس إلا الاستماتة أو النجاة والفرار ، وبينما هم يديرون أفكارهم صاح شاعرهم : وا داري اللي في حراج السوم زبونها من ينزل الميدان إن كان ما شريت نهار اليوم علم الخطا غدوا بها العدوان وانطلق منحدراً نحو الجند ، وكان ذا شعر كثيف ، فتنادوا الرجال : وراء أبو " شعفلة " ، فانداحوا خلفه ببنادقهم وسلاحهم وعصيهم والحجارة ، وكان النساء يشعلن حماس الرجال فاندحر الغزاة ، وقال شاعرهم مشيداً بدور النساء : يا ابو جعيد من على متنه تثنَّى كنّه قماش الهند يا امير الحمام خُذِنْ من اللي دون ديرتنا تعنَّي اللي عليه البيض في لبّة سقام كان النساء يسدلن ضفائرهن في الحروب لإثارة حماس المحاربين ، وكان الشعراء يباهون بجمال النساء ونعومة شعرهن ، يشبهونه بالحرير من الأقمشة الهندية " الساري " الذي يسدل على أجسامهن . وكان كثير من الناس يأخذون برأي المرأة الحصيفة ، وبخاصة فيما يخصها من الشؤون ، ومن ذلك أن رجلاً خطب ابنة عمه فلم توافق فقال : يا عذب يا عذب يا اللي من جنابي صرت قنعان تراي قنعان عن من لا يود ولا يصافي نعاف من عافنا ونزيد حبل الكره كرهان عزي لمن يترك الشيمة ولا ياتي عزافي أنا احمد اللي وقاني عن ملايم عود دخان لو كان عوده نصيح أو باه دخان الخلاف وكانت ممانعة الفتاة بسبب التدخين الذي ابتلى به الشاعر ، لذا رد الشاعر بأن الأسوأ من التدخين هو الخلاف الذي جاء من الفتاة ،،