على الرغم من أن مشواره السينمائي ابتدأ منذ أكثر من عشرين عاماً، إلا أن اسمه كممثل محترف وبارع في الأداء لم يتكرس إلا في سنة متأخرة نسبياً، والسنة هي 2007، أما الممثل فهو جوش برولين، المولود في مدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا في عام 1968. وقصته مع هذه السنة تستحق أن تكون موضوعاً لفيلم سينمائي، لأن جوش برولين، الذي ضاع شبابه بتقديمه الكثير من أفلام الأكشن الرخيصة، أو المشاركات المتواضعة في أفلام جيدة أو سيئة على حد سواء لم تفده كثيراً ولم تستطع كل هذه السنوات والعمر الطويل في المجال السينمائي أن ترسم له صورة الممثل البارع، ولا حتى الواعد، إلى أن جاءت سنة 2007، التي حملت معها محطات مختلفة استطاعت تكريس اسمه هوليوودياً، وكانت تعويضاً لكل السنوات الماضية التي لم تحمل معها أي جديد له شخصياً وفنياً. المحطة الأولى كانت فيلم (جريند هاوس – Grindhouse) الذي أخرجه بالمناصفة كل من كوينتن ترانتينو وروبرت رودريغز (صاحب أفلام ديسبرادو و مدينة الخطيئة- Sin City) وهو عبارة عن فيلم من جزءين العامل المشترك بينهما هو السخرية من الأفلام التجارية الهابطة (والمفارقة أن جوش برولين شارك في الواقع في الكثير منها فيما مضى) وقد لعب برولين دور البطولة في الجزء الذي أخرجه رودريغز وحمل عنوان (Planet Terror) ويتحدث عن طبيب يحاول إنقاذ مدينة من وباء يسبب تحول الآدميين إلى زومبي (وهم مصاصي الدماء)، وبالطبع، الفيلم يقدم سخرية لاذعة لهكذا صنف من الأفلام التي لا تعتمد منطق ما، بقدر اهتمامها بتكثيف أجواء الإثارة والرعب وشد أعصاب المشاهد، وكان أداء جوش برولين في هذا الفيلم جاداً (ظاهرياً فقط) ولكن في حقيقته يحمل تهكم واضح للممثلين الذين يقومون بأداء شخصيات السوبر هيرو- البشرية، الذين سيكون النصر حليفهم في النهاية رغم كافة الصعوبات! المحطة الثانية كانت فيلم (مجرم أمريكي- American Gangster) أمام نجوم كبار مثل دانزل واشنطن وراسل كرو، وتحت إدارة المخرج المخضرم ريدلي سكوت، وقدم في الفيلم دور محقق شرطة فاسد يقف على النقيض من محقق آخر، نزيه وشريف (يلعب دوره راسل كرو) يحاول الايقاع بتاجر مخدرات ومجرم خطير (دانزل واشنطن). وهذا الفيلم بالتحديد وشهرته ونجاحه التجاري الكبير استطاع أن يدفع بمسيرة جوش برولين الفنية، وبالطبع، إلى جانب أدائه المميز فيه. والمحطة الثالثة كانت أمام تومي لي جونز وتشارليز ثيرون في فيلم (في وادي الإله- In the valley of elah) الذي أخرجه الكندي بول هاغيس وموضوعه هو انتقاد الحرب الأمريكية على العراق، وإن جاءت على شكل قصة مثيرة تدور حول عسكري متقاعد (يلعب دوره تومي لي جونز) يحاول أن يحل لغز مقتل ابنه في العراق. وبالنسبة لمشاركة برولين في الفيلم، وعلى الرغم من أنها كانت رتيبة وغير مؤثرة في سياق الفيلم، إلا أنها مؤثرة في سياق آخر يتعلق بمسيرته الفنية، ومشاركته في أحد أقوى أفلام 2007. أما المحطة الرابعة، والأكثر أهمية، فهي تأديته لدور البطولة المطلقة في فيلم الأخوين كوين الأوسكاري (لا أرض للمسنين – No country for Old Men) الذي كان تجربة استثنائية في مسيرة جوش برولين، حيث أدى شخصية رجل قروي في الجنوب الأمريكي يجد مبلغاً كبيراً من المال بالصدفة، فيحمله معه وهو لا يدري أنه سيكون فريسة قادمة لسفاح لا يرحم سيحاول استعادة هذا المال. أداء جوش برولين كان استكمالاً للأداءات العظيمة في هذا الفيلم، وفي مقدمتهم الأسباني خافيير بارديم (الحاصل على الأوسكار في فئة أفضل ممثل مساعد عن دوره الجنوني في هذا الفيلم) وإلى جانبه تومي لي جونز وودي هارلسون وكيلي ماكدونالد الذين حازوا جميعاً على جائزة رابطة الممثلين، التي يرمز لها اختصاراً (SAG) كأفضل كاست تمثيلي. كل هذه الأنجازات كانت في سنة واحدة هي 2007، فماذا عن 2008؟ والجواب هو أن جوش برولين واصل ابداعه، بالرغم من أن مشاركته اقتصرت على فيلمين في 2008، إلا انهما كانا اكثر فيلمين إثارة للجدل، الأول هو اداؤه لشخصية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأبن في فيلم اوليفر ستون الكوميدي والساخر (دبليو – W) والآخر هو مشاركته في فيلم (ميلك) أمام النجم الأوسكاري شون بن، ودوره هذا أدخله تاريخ الأوسكار لأنه ترشح عنه، ولأول مرة لهذه الجائزة، بفئة أفضل ممثل مساعد. كما يستعد النجم جوش برولين في الأيام المقبلة للمشاركة في الفيلم الجديد للمخرج الكبير وودي آلن التي تدور أحداثه في لندن مثل رائعته (ماتش بوينت)، وأمام كوكبة من كبار الممثلين مثل انطوني هوبكنز وانطونيو بانديراس وناعومي واتس.