** أحسب..أن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة..قد أراد بمحاضرته القيمة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة يوم الثلاثاء الماضي..أن نفتح عيوننا على حجم الخطر الكبير الذي يتهدد مستقبلنا..إذا نحن فقدنا "البوصلة" التي وضعها بين أيدينا مؤسس هذا الكيان، جلالة الملك عبدالعزيز يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته.. ** تلك "البوصلة" هي "الاعتدال" و"التوازن".. ** وكأني بالأمير قد ربط – بقوة - بين سياسة الاعتدال التي تميزت بها مسيرة المملكة وبين تحقق العدل في حياتنا كل حياتنا.. ** العدل في تطبيق الأنظمة والقوانين المانعة للظلم.. ** والعدل في اتباع الإنسان لطريق الهداية والنور..بعيداً عن الظلام..باعتناق التشدد والتطرف والانغلاق وحرمان العقل من التفكير بوعي كامل واستنارة تامة..وبرؤية لا غبش فيها ولا انحراف ولا تشويش.. ** والعدل..في الارتفاع بمستوى الإحساس بمسؤوليتنا تجاه وطن جمع بين الإيمان..وبين المواطنة..وبين الهوية العربية..ليكون نموذجاً متوازناً..ليس فقط في إدارة شؤونه من الداخل وإنما في التعامل مع الدول والمجتمعات الأخرى..بعد أن قدم نفسه بنجاح كبلد لا أطماع ولا تطلعات له..بل إن كل ما يعمل عليه ويسعى إليه هو..ترسيخ مبادئ الحب..والسلام..والأمان..والتعايش بين الشعوب.. ** وكأني بسموه..قد شدد –بقوة- على أهمية الولاء..في ربط الإنسان بأرضه..بتاريخه.. بخصوصيته..حتى نحافظ على هذا الكيان..بمنأى عن الأخطار والمنغصات التي يؤدي إليها غياب الاعتدال..وبالتالي تضرره بضعف تماسك وحداته..وتسوس أركانه لا سمح الله.. ** وكأني بسموه.. وقد حذر – بقوة - من مغبة التصادم بين القيم الحضارية المتوارثة وبين معطيات التقدم وضرورات التحديث ومتطلباته..بسبب المبالغة في الدعوة إلى التغيير غير المتوازن..بالتنكر لتلك الثوابت..أو بالرفض القاطع لمبدأ التحول..والأخذ بأسباب المعاصرة والانفتاح.. ** هذه الإشارة القوية..لم تصدر من الأمير المسؤول خالد الفيصل..وإنما صدرت من المفكر.. والمثقف..والمواطن خالد الفيصل..أملتها عليه معايشته..لمراحل تطور هذه البلاد..ومتابعته للأحداث والوقائع التي شهدها الإقليم..وعاشتها دول وشعوب العالم القريبة منا والبعيدة عنا خلال عقود من الزمن. ** ثم إنها تمثل قراءة واعية لمستقبل هذا الوطن..في ضوء المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم أيضاً. ** ذلك أن هذه المحاضرة..تجمع بين التذكير والتجديد ، وبين الدعوة إلى التفكير بإمعان في مستقبل هذا البلد وإنسانه..وفي يقظته واستمرار تماسكه..وتطوره..دون أن يقع فيما وقعت فيه الدول والمجتمعات الأخرى..من إفراط أو تفريط أديا إلى ضياع الهوية..وبالتالي تعرضها للأخطار.. ** والأجمل من هذا ..أن المحاضرة "الناقوس" الذي نبه إلى تلك الأخطار لم تضع جامعة الملك عبدالعزيز وحدها..أو الجامعات السعودية بمجملها أمام مسؤوليتها فحسب..وإنما وضعتنا نحن أيضاً كمواطنين أمام أعظم مهمة..يتوجب علينا القيام بها..للحفاظ على وطن هو خير الأوطان..وذلك بتكريس "الاعتدال" وترسيخه فيه..وحماية أجياله من كل الأعراض المحيقة بمجتمعات أخرى شهدت خلخلة شديدة في مكوناتها..وتعيش اليوم حالة احتضار..بفعل تأرجح مواقفها وسياساتها..وكذلك بفعل ابتعادها عن التوازن والاعتدال..وتحيزها لصالح منظومة أو فئة دون أخرى.. ** لقد دق الأمير ناقوس خطر حقيقي..منبهاً..ومحذراً..ومؤكداً على أهمية "الاعتدال" في التفكير..والاعتدال في السلوك..والاعتدال في السياسة..والاعتدال في الاقتصاد..والاعتدال في العواطف..والاعتدال في الأحلام..والاعتدال في كل شيء..وكل مجال..وكل جهة..وكل اختيار هو الذي جعل المملكة باستمرار بمنأى عن الأزمات..أو الخيارات الصعبة..وهو الذي مكننا – في الداخل والخارج - من أن نظل أقوياء..أشداء..متماسكين..وغير معرضين للكثير من الأخطار التي تعرض لها الآخرون.. ** يقيني.. ** أن من حضر هذا اللقاء الهام.. ** أو الذين تابعوه.. ** أو الذين يهمهم أمر هذه البلاد..وشعب هذه البلاد.. ** سيتوقفون طويلاً أمام هذه "الصرخة" المدوية.. ** ولكنهم سوف يتساءلون بقوة.. ** كيف نستطيع ترجمة كل ذلك إلى فعل؟! ** إن مشكلة الأمير خالد الفيصل الأساسية هي..في أنه يطرح رؤى ذات أبعاد استراتيجية.. وآخرها: - نحو العالم الأول. - إستراتيجية المكان والإنسان. - ثقافة الإحباط..وثقافة التفاؤل. - وأخيراً: الاعتدال خيارنا نحو المستقبل. ** وهي رؤى وطنية يعمل على ترجمتها إلى برامج..وانجازات وممارسات في حدود المنطقة الإدارية المكلف بها..وإن كان الأمل في أن تصبح جزءا من رؤية الدولة الشاملة لوطن ينشد التغيير ويطمح إلى المستقبل الأفضل. ضمير مستتر: ** ( تبني الأفكار الخلاقة..يجسد إرادة العمل الجماعي والفعال من أجل الوطن والمواطن).