عندما تحتضن الرياض القمة المصغرة، فإنها تؤكد على أنها عاصمة المصالحات العربية، والعبرة هنا أن الظرف المحيط بالأمة العربية لا يقبل العصبية السياسية، أو فتح أنفاق الخلافات، لأن التجارب أعطتنا الدروس الكبيرة، بأن انفراط العقد العربي يترتب عليه انفجارات خلفية تستقطب أجنحة تعزز الفصل بين العواصم، وتدمر كل ما بنته سنوات التضامن والتوافق.. التفاؤل حق طبيعي، إذ إن المصالحة بين زعماء العواصم الثلاث الرياض والقاهرة ودمشق تذهب بنا إلى التركيز على الضرورات الأساسية، إذ عندما كانت الحلقات مترابطة وقائمة، كان أي مبعوث دولي أو متعامل مع الشأن العربي يجد أن البعد القومي هو البارز على الشأن القُطري، وأن أياً من الزعماء لا يخرج عن المضمون الذي رموه، وحتى نكون موضوعيين ومنصفين فإن الدور الذي لعبه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في قمة الكويت الاقتصادية أعطى مدلولاً أن هذا الجهد لم يأت اعتباطاً، بل أتى من خلال موقف عربي تعالى على كل شيء في لحظة كانت النفوس مشحونة وقابلة للانفجار، وعندما تقدم خطوة جاءت المفاجأة أن كل الغبار زال في لحظات، بمعنى أن الخلاف هو الاستثناء، واللقاء هو الحقيقة الثابتة، ولعلنا نحتاج إلى صفات تتناغم وشخصية الملك عبدالله وقدرته على الانتصار على الذات في أكثر المواقف حساسية وانغلاقاً.. الدول الثلاث هي من يرسم رحلة الأمة العربية، لأن مقوماتها التي تملكها تجعلها الفريق المنظم لأي إنجاز على المستوى العربي والدولي، وطالما توجد ملفات مغلقة، وأخرى مفتوحة على العديد من الأزمات والتحديات، فالوصول إلى التعاون من منطلق فرضيات الظروف المعقدة والصعبة إقليمياً ودولياً وضرورة التعامل معها من مبدأ الهدف الواحد سوف يزيل الكثير من الأحمال عن كل دولة.. لقد شهدت الكويت البداية الأولى للعناق الأخوي، وستشهد الرياض المكاشفات الصريحة، أي لا بد من تأسيس أرضية صلبة في تفكيك منشأ الخلافات وتجاوزها، لأن أمام هذه الدول مشواراً طويلاً وصعباً، سواء على الصعيد الفلسطيني، والعراقي والسوداني وغيرها، أو ما يواجهه العالم من تعقيدات مالية، ومتغير جديد في البيت الأبيض والذي قد يكون أكثر اهتماماً بالشأن العربي والإقليمي المحيط بنا، كما نجد نزعة أوروبية وشرقية تعطي للمنطقة نفس الاهتمام، وتظل المهمة العربية هي الأساس، أي أنه، وبصريح العبارة، عندما انقسمت العواصم الثلاث جاءت التوابع سلبية، إذ شهدنا ما حدث بالجبهة الفلسطينية، وكيف كاد لبنان أن ينزلق لحرب أهلية، والسودان إلى مطاردة قانونية دولية، إضافة إلى تدخلات خارجية ضاعفت حالات التأزم تدفعها حروب إعلامية أعادتنا إلى نقطة الصفر، وأزمنة التخوين والتهم بين الزعماء والعواصم.. الآن ونحن نضع البداية الموضوعية لا بد أن ندرك أنه لا مجال لعودة الأوضاع السلبية لحالاتها الماضية، إذا ما علمنا أننا في ذات الحيز والمكان من جميع الأزمات، وأن أي اتفاق قابل للديمومة هو جواز سفرنا إلى محاسبة الذات، ومحاورة الآخر بنفس الندية والقوة..