عندما بدأت المصالحات العربية في قمة الكويت الاقتصادية، وبمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عبدالعزيز، استبشر الشارع العربي خيراً بأن زمن الخلافات والتباينات في المواقف ولى، خصوصاً في ما يخص القضايا العربية الرئيسة، كالقضية الفلسطينية والأمن القومي العربي، وغيرهما من القضايا الأخرى التي تتباين حولها الرؤى العربية، لكن من يرى ما حصل في قمة الدوحة، رغم كل الأجواء التصالحية التي سادت قبل القمة وخلالها، لم يمنع من حصول بعض الانتكاسات في مسيرة المصالحة بين الأشقاء العرب، وأبرزها التباين المصري القطري حول بعض القضايا، مما جعل جمهورية مصر تكتفي بإرسال الوزير مفيد شهاب ممثلاً لها في القمة، لتجعل من عدم حضور الرئيس المصري حسني مبارك من أبرز سمات القمة، يقابلها في الجانب الآخر حضور الرئيس السوداني عمر البشير، رغم مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه، مما أعطى الرئيس السوداني دعماً عربياً لا لبس فيه في مواجهة محكمة الجنايات الدولية وقراراتها غير المنطقية تجاه الرئيس السوداني. لقد انعقدت القمة وسط أجواء من التفاؤل وقليل من التشاؤم، لكن الواقع وإرث الخلافات العربية انعكس على القمة بشكل ليس بالكبير، تاركاً مساحة من التخمين والتوقع لدى كثير من خبراء السياسة والعلاقات الدولية، لتقييم مدى نجاح القمة وتحقيقها لأهدافها، إذ كان من أبرز المواقف التي اتسمت بها قمة الدوحة هي: أولاً: الغياب المصري: طغت قضية الخلاف المصري القطري، وغياب الرئيس حسني مبارك عن القمة بشكل واضح على أعمال القمة، في وقت كان يتوقع الجميع أن تكون المصالحات وإنهاء الخلافات هي الأولوية الأولى للقمة، خصوصاً بعد قمة الرياض المصغرة بين السعودية ومصر وسورية والكويت، والتي كان من أهم أهدافها تنقية الأجواء لقمة الدوحة، وهو ما حصل من خلال هذه القمة واستكمال المصالحات وتنقية الأجواء بين الزعماء العرب، كان آخرها المصالحة بين خادم الحرمين الشريفين والعقيد معمر القذافي. ثانياً: المصالحة الفلسطينية: لا يزال الخلاف الفلسطيني يمثل التحدي الكبير للأسرة العربية، مما يجعل الجهود العربية لتوحيد الصف العربي، تصطدم بهذه الخلافات الفلسطينية غير المنطقية، التي ساعدت أيضاً على استمرار التباينات العربية تجاه القضية الفلسطينية وسبل معالجتها، وتشجع الجانب الإسرائيلي على التعنت وعدم الاستجابة للضغوط الدولية، بحجة الخلافات الفلسطينية حول جهود عملية السلام، خصوصاً بعد مجزرة غزة، وعدم استفادة الجانب الفلسطيني والعربي من الدعم الشعبي الدولي للشعب الفلسطيني خلال تلك المجزرة، بسبب خلاف الأشقاء الفلسطينيين غير المجدي. ثالثاً: الوضع السوداني: شكل الموقف العربي تجاه السودان اختراقاً، إذ حصل السودان على دعم عربي في مواجهة محكمة الجنايات الدولية وذلك برفض قرارها باعتقال الرئيس عمر البشير، ودعم جهود الحكومة السودانية لإحلال السلام في دارفور، مما يبعد شبح التسييس والتدويل لهذه القضية العربية الحساسة والاستفادة من المواقف الدولية الداعمة لموقف السودان كالموقفين الصيني والروسي. رابعاً: الموقف من إيران: يبدو أن إيران هي الغائب في هذه القمة، رغم عدم حسم طريقة التعامل معها على ضوء احتلالها للجزر العربية التابعة للإمارات العربية المتحدة، وتدخلها في بعض الشؤون العربية، كالقضية الفلسطينية، والوضع اللبناني، وبعض نقاط التوتر العربية كالحوثيين في اليمن، وتصريحاتهم الاستفزازية تجاه بعض دول الخليج العربية، كما أن الغزل الأميركي الإيراني يفرض على الدول العربية مراجعة استراتيجياتهم وسياساتهم تجاه الدولتين من أجل تجنب أن يكون هذا التقارب على حساب المصالح العربية، بشكل عام والخليجية بشكل خاص. خامساً: وضع المبادرة العربية: لا تزال المبادرة العربية هي الخيار الديبلوماسي الوحيد، في ظل غياب أي خيار آخر، سواء كان سياسياً أو عسكرياً لدى العرب، مما يجعل دعمها من القمة أمراً ضرورياً، خصوصاً مع التوجه الأميركي المشجع على عملية السلام، ولتضييق الخناق على الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو، التي ترفض حل الدولتين وتشجع على توسيع الاستيطان، وتشكل عائقاً كبيراً في وجه التوجه الأميركي، الذي يبدو جدياً نحو حل القضية الفلسطينية، لذلك كان لابد من دعم المبادرة العربية في القمة، والتلويح بأنها لن تكون بشكل دائم في حال تلكأت إسرائيل في قبولها. سادساً: الموقف من الإدارة الأميركية الجديدة: مع انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وابتعاده بشكل كبير عن سياسة سلفه جورج بوش الابن، التي بعثرت عملية السلام بتشجيعها ودعمها سياسات الجانب الإسرائيلي على حساب المصالح العربية، وختمت نهاية فترتها بموقفها المؤيد لإسرائيل في مجزرة غزة، لابد أن يشكل هذا للعرب دافعاً قوياً للتعاون معه في حل قضية الصراع العربي الإسرائيلي، التي وضعها من أولوياته منذ تسلمه الحكم، إذ وللمرة الأولى في تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية يكون هناك توجه للضغط على إسرائيل في سبيل القبول بحل الدولتين، وتعيين مبعوث للشرق الأوسط «جورج ميتشل» منذ الأسبوع الأول من تسلمها للسلطة. إن المبادرة السعودية للمصالحة في قمة الكويت شكلت الأساس لتنقية الأجواء العربية من الخلافات، وأحدثت زخماً لدفع جهود المصالحة بين القادة العرب بشكل كبير، كان من ثمارها المصالحة بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والعقيد معمر القذافي، التي صبت في المصلحة العربية، خصوصاً في هذه الظروف التي تواجهها الأمة. لقد نجحت قطر في احتواء الخلاف السعودي الليبي من خلال تدخلها الفوري، ساعدها سمو وتسامح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتزامه بما دعا له في قمة الكويت الاقتصادية بالعفو عما سلف والبدء بنفسه، كما نجحت في إدارة الخلافات العربية واحتوائها والعمل على إنهائها. لقد عقدت قمة الدوحة في ظل متغيرات إقليمية ودولية مضطربة، وأوضاع مالية صعبة جداً، حتمت على القادة العرب أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية لمواجهة التحديات التي تواجه شعوبهم، فالعراق لا يزال تحت الاحتلال، والوضع في فلسطين مؤلم، إذ التشرذم الفلسطيني قائم، وحصار غزة لا يزال مستمراً، والتهديدات والتحديات الإقليمية والدولية للعرب تزداد يوماً بعد يوم، فمن مشكلة دارفور في السودان، إلى الحرب الأهلية في الصومال، وكذلك التحدي الذي يواجهه الأمن القومي العربي بالتهديدات النووية من إسرائيل وإيران، وفوق هذا كله أزمة مالية عالمية تعصف بالعالم وتهدد المنطقة العربية بتأثيراتها السلبية بشكل كبير، مما حتم على القادة العرب في هذه القمة أن يكونوا على مستوى تطلعات شعوبهم. والسؤال المطروح هو: هل حققت قمة الدوحة أهدافها؟ أم أنها كانت وستكون مثل القمم التي سبقتها تكتفي بالبيانات والخطابات؟... هذا ما ستجيب عنه الأيام، وحتى انعقاد القمة المقبلة في ليبيا لتقييم النتائج.